خطبة الجمعة بعنوان:{المعاصي والذنوب ضرر على الأفراد والشعوب},لفضيلة الشيخ:عبدالقادر لعباد المغربي


إقرأ المزيد. bloggeradsenseo

خطبة الجمعة بعنوان:{التوبة نعمة من الله على هذه الأمة}:لفضيلة الشيخ:عبدالقادر لعباد المغربي


إقرأ المزيد. bloggeradsenseo

الإيمان حياة الإنسان

الإيمان حياة الإنسان
الحمد لله المتفردِ بوحدانية الألوهية،المتعززِ بعظمة الربوبية،القائمِ على نفوس العالم بآجالها،العالِمِ بتقلُّبها وأحوالها،المانِّ عليهم بتوافر آلائِه،والمتفضلِ عليهم بسوابغ نعمائِه،الذي خلق الخلق بلا مُعين ولا مشير،وأنشأ البشر بلا شبيه ولا نظير،فمضت فيهم بقدرته مشيئتُه،ونفذت فيهم بحكمته إرادتُه،وألهمهم حسن الإطلاق،وركَّب فيهم تشعب الأخلاق،فهم على طبقات أقدارهم يمشون،وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون،وكل حزب بما لديهم فرحون,وأشهد أن لآ إله إلا الله خالقُ السماوات العلى،ومنشئُ الأرضين والثرى،لا راد لقضائه،ولا معقب لحكمه،ولا غالب لأمره,لا يُسأل عما يفعلُ وهم يسألون,وأشهد أن محمداً عبده المصطفى،ونبيه المجتبى،ورسوله المرتضى،بعث الله بالنور المضي،والأمر المرضي،على حين فترة من الرسل،ودروس من السبل،فدمغ به الطغيان،وأظهر به الإيمان،ورفع دينه على سائر الأديان،فصلى الله وسلم وبارك عليه ما دار في السماء فلك،وما سبح في الملكوت ملك،وسلم تسليماً,أما بعدُ:
عبادالله:إن العبد بلا إيمان كالريشة في مهَبِّ الريح الأربع،تقيمها الريح ظهرا لبطن،أينما تميلُ يمل،يعيش بلا جذور ولا قيمة،تجده قلقا حيرانا،لا يستقر على حال،ولا يسكن إلى قرار،لا يعرف حقيقة نفسه،ولا سر وجوده.
فالإيمان تلكم الكلمة ُالمدوية ُالمجلجلة ُالتي تهزُّ كِيان المسلم،يتحرك لها فؤادُه،وتسمو إليها تطلعاتُه.
الإيمان هو الميدان الذي يتسابق فيه المتسابقون،ويتنافس فيه المتنافسون.
فيا أهل الإيمان؛ما الإيمان؟الإيمان عند ساداتنا و كُبرائنا وعلمائنا:هو قول باللسان,واعتقاد بالجنان,وعمل بالجوارح والأركان،يزيد بطاعة الرحمان,وينقص بطاعة الشيطان.
الإيمان ما الإيمان،هو نفحة ربانية,يقذفها الله في قلوب من يشاء من أهل هدايته،ويهيئ لهم سبُل العمل لمرضاته،ويجعل قلوبهم تتعلق بمحبته،وتأْنَس بقربه.
فالإيمان شعور يختلج في الصدور،ويلمع في القلوب؛فتضيء به جوانب النفوس،ويبعثُ في القلب الثقة َوالأنسَ بالله،والطمأنينة َبذكر الله:{أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
إنه الشعور بأنك ذرة في هذا الكون الهائل العظيم الكبير،الذي يسبِّح لله،ويخضع لله،ويؤمن بالله:{يسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن من شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ولكن لاتفقهون تسبيحهم},فسبحان من سبَّح له الكون كله,وسبحان من خضع له الكون كله,وهذا يجعلك –أيها العبد- تسأل نفسك أين أنت من هذا الموكب العظيم؟لتعلم أن الله هو الغنيُّ وأنت الفقير،لا تنفعتك طاعتك،ولا تضره معصيتك،{من كفر فعليه كفره}.
بل هناك مخلوقاتٌ كثيرةٌ لا يُحصيهم إلا الله,ولا يعلم عدَدَهم إلا الله:{يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ},إنهم  الملائكة ُالذين:{لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
ففي صحيح الإمام مسلم في قصة الإسراءِ والمعراج,أن جبرائيل الكريم,قال للنبي الأمين,صلى عليه وسلم رب العالمين:{هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ,يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ،إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ}.
ألم تسمع إلى ما ورد في سنن الترمذي,أن الحبيب النبي,صلى عليه وسلم الرب العلي,قال:{إنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ،وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ,مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ،وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا،وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ,وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللـه},فسبحان ذي العزة والجبروت،وسبحان ذي الملك والملكوت،وسبحان الحي الذي لا يموت,والإنس والجن يموتون:{أَلَمْ تَرَ أَنِّ اللهَ يسبح لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ},هل جندت نفسك أخي في الله,لتكون من أهل هذا الموكب المسبح المطيع لله رب العالمين.
أيها المؤمنون:إن للإيمان حلاوةً وأمارةً وعلامةً ً دلَّ عليها نبينا وحبيبنا المصطفى،ورسولنا المجتبى صلى عليه وسلم رب السماوات العلى،ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضوان الله عليه,أن رسول الله صلوات ربي وتسليماته عليه,قال:{ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ:أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ،وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ}.
ثلاث خصال تحتاج إلى رجال متذللين متعبدين,لله رب العالمين،خصلة بينك وبين الله،وخَصْلَة بينك وبين أحباب الله، وخصلة بينك وبين شِرْعَةِ الله،هذه ثلاثُ خصال يعرِضُها المؤمن على قلبه في كل زمان ومكان،فإن وجدها في فؤاده وفي نفسه أحسَّ بحلاوة الإيمان،وإن نقصت خَصْلَةُ من هذه الخصال,نقصت حلاوةُ ولذةُ الإيمان في قلب إلإنسان.
وهاهم سحرة فرعون,كانوا يقولون بالأمس القريب:بعزة فرعون إن لنحن الغالبون,فلما ذاقوا حلاوة إيمان,وعرفوا حقيقتها قالوا:لا طير,أي قتّل ذبح,قطّع عذّب,إفعل مابدى لك,{قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ},وهاهو بلال يُخرج به إلى بطحاء مكة,فيُعذب عذابا شديدا,وتوضع الصخرة الصماء على صدره الشريف المبارك,فيقول:أحدٌ أحد,وها هوعَمَّار بنُ ياسر,وها هو خبّابُ بنُ الأرث,وها هو خُبَيبُ بنُ عدي,كلهم يعذبون في سبيل الله جل في علاه وتقدس في علياء سماه,والله ما ثبتوا هؤلاء الأفذاذُ إلا بالإيمان,وهذه آثار الإيمان على حياة الإنسان,تظهر عند الشدائد والمدلهمات،فيثبت لها الرجال ثبات الجبال الشوامخ الراسيات،وهذا هو فعل الإيمان,إذا خالطت بشاشة القلوبَ ثبت صاحبه ورأيت العجب العجاب,علوا في الحياة وفي الممات.
وهل للإيمان طعم أيها الأحباب,نعم للإيمان طعم,أخرج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن العباس بنِ عبدالمطلب؛أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا،وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا،وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا}.
قال وهبُ بنُ مُنَبِّه رحمة ُالله عليه:{الإيمان عريان,ولباسه التقوى,وزينته الحياءُ,وماله الفقهُ}.
ومن آثار الإيمان على حياة الإنسان:ديمومة ُاتهام النفس،والخوفُ من الرياء والنفاق،وعدم احتقار الذنوب والآثام,يقول ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ كما في صحيح البخاري:{أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ،مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ:إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِائيلَ وَمِيكَائِيلَ}.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه,قال:{إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ،وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ}.
وفي الجامع المسندِ الصحيح للبخاري من حديث أنس بن مالك رضوان الله عليه,قال:{إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا،هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ،إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ}.أي المهلكات.
رأيت الذنوب تُميت القلوب&وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوب &وخيرٌ لنفسك عصيانُها
قال الحسن البصريُّ رحمة ُالله عليه:{إِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي،إِنَّمَا الْإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ،وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ},فمن قال خيراً وعمل خيراً قـُبل منه،ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه,ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}.
واعلموا أيها السادة العزاء:أننا لن نتحرك لدين الله إلا بالإيمان,ولن نغير شيئا من دنيا الواقع إلا بالإيمان.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم,ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم,أقول ماتسمعون,وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه,إنه هو الغفور الرحيم,وآخر دعوانا إن الحمد لله رب رالعالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله مُوقِظ القلوبِ بالوعظ والتذكير،أحمده سبحانه وأشكره على خيره العَميم وفضلِه الوَفير،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً مُبرَّأةً من الشرك الكبيرِ والصغير،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذير،والسراجُ المزهر المُنير،صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الطيبين،وأصحابه الغُرِّ الميامين،ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومن على نهجِهم يسير،وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين,أما بعدُ:
عبادالله:والله ما ذلتِ الأمة ُيوم ذلت,إلاّ بعد  انحرفها عن حقيقة الإيمان،وغاب عنها المفهومُ الحقيقيُّ لمعنى الإيمان،فانطلق كثير ممن ينتسبون إلى هذا الإسلام,يرددون كلمة الإيمان،من غير أن يفقهوا معناها،ومن غير أن يحولوها إلى منهج عملي في أرض الواقع وفي دنيا الناس.
بل إن رفوف المكتبات تئن بالمصادر والمجلدات،وما وجدنا هذا الكمَّ الهائلَ من الكتب بين الصحابة الأخيار الأبرار،ولكن البون الشاسعَ والفَارِق الكبيرَ بيننا وبين تلك الكواكبِ السامية,والقممِ العالية،أنهم كانوا إذا سمعوا عن الله أمراًَ امتثلوه،وإذا وقفوا لله على نهي اجتنبوه،وإذا عرفوا لله حداً طبقوه،وحولوا هذا المنهج النظري في  جانب الإيمان إلى تصديق وتطبيق في أرض الواقع؛فسادوا الدنيا شرقاً وغرباً،وحولهُم هذا المنهجُ المنيرُ سادة وقادة,فصارواعلماءَ و كُبراء,وأعزةً وأقوياء.
أولئك أبائي فجئني بمثلهم&إذا جمعتنا يا جرير المجامع
فوالله الذي لا إله غيره ولا رب سواه,لن تسترد الأمة ُمجدها وعزها وقيادتها إلا إذا عادت إلى كتاب ربها,وسنة نبيها,وحولتهما إلى منهج حياة في دنيا الناس.
فالإيمان بالله جل وتعالى هو الذي يمدنا بروح القوة,وقوةِ الروح,فالمؤمن لا يرجو إلا فضل الله,ولايخشى إلا عذاب الله,ولايبالي بشئ في جنب الله,إنه قوي وإن لم يكن في يده سلاح,غني وإن لم تمتلئ خزائنه بالذهبِ واللُّجينِ,والزبرجد والزُّمُرُّد,عزيز وإن لم يكن من ورائه عشيرةٌ وأتباعٌ وأعوان.
وهناك صنف من الأنام يرددون بلسانهم كلمة الإيمان,وقد ضيعوا الصلوات،وامتنعوا عن الزكوات,واتبعوا الشهوات,والطامة الكبرى,أن المساكين يظنون أنهم بمجرد أن ردّدوا كلمة الإخلاص,قد حصّلوا صكاً من صكوك الغفران،بدخول الجنان،والنجاة من النيران,وما أشقى من تغافل عن دائه,وأعرض عن دوائه,ولم يسع لشفائه.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى ذِكراً،وأفضلِ البشرية طهراً،وأعظمِ الخلق شرفاً ونسباً،أكثروا من الصلاة والسلام عليه,فإنَّ الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه,وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه,فقال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِئ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صل على محمد  وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد,اللهم بارك على محمد  وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
اللهم انصر الاسلام والمسلمين,واخذل من خذل المسلمين يارب العالمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته و لا كربا إلا نفسته,و لا عسيرا إلا يسرته,و لا عدوا للإسلام إلا دمرته.
اللهم حَبَّبَ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا وَكَرَّهَ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وجعلنا من الرَّاشِدُينَ.
اللهم فرج هم المهمومين واقضي الدين عن المدينين وفك أسرى المأسورين واشف مرضانا ومرضى المسلمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها,وزكها أنت خير من زكاها,أنت وليها ومولاها......

 تأليف فضيلة الشيخ عبدالقادر لعبادحفظه الله تعالى




إقرأ المزيد. bloggeradsenseo

الموت فاحذره

هادم اللذات
الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم فى الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ومن ملاعبة الجوارى والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ فى التراب ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزا واتخذوا من دونه حجابا وحرزا وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء واستأثر باستحقاق البقاء وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ثم جعل الموت مخلصا للأتقياء وموعدا فى حقهم للقاء وجعل القبر سجنا للأشقياء وحبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل والقضاء فله الإنعام بالنعم المتظاهرة وله الانتقام بالنقم القاهرة وله الشكر فى السموات والأرض وله الحمد فى الأولى والآخرة والصلاة على محمد ذي المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً,أما بعد:
عباد الله:إن الله جعل الدنيا دار فناء وزوال وجعل الأخرة دار خلود وبقاء وجعل الموت دليلا على قوته وعظمته وجبروته وتلك هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير مهما ادعى احد لنفسه من مقومات المحابا,قال جل وتعالى:{كل نفس ذائقة الموت}.هذه الأية تكررت في ثلاثة مواضع من كتاب الله جل وتعالى:في آل عمران و الأنبياء و العنكبوت,فهذه جملة موجبة لا استثناء فيها,والله لم يعبر بالفعل المضارع وإنما عبر باسم الفاعل الذي يفيد الثبوث والاستقرار,قال جل وتعالى:{ونحن له عابدون},وقال أيضا:{ونحن له مخلصون},و بعد موت الخلائق,ينفرد الله جل وتعالى بالديمومة والبقاء,فيكون آخرا كما كان أولا,فهذه الأية فيها تعزية لجميع البشرية,أنه لا يبقى أحد على وجه الأرض إلا وسيموت.
قال الشاعرعلى بحر البسيط :
كل ابن انثى وإن طالت سلامته&يوما على لوحة حدباء محمــــول        
  يا ابن التراب و مأكول التراب غدا&أقصر فإنك مأكول ومشـــروب
إن لكل بداية نهاية وإن لكل قوة ضعف ولكل حياة موتا,فالموت ليس له سبب معين ولا وقت معين ولا عمر معين,ومن لم يمت يالسيف مات بغيرهوتعددت الأسباب والموت واحد.
ياابن آدم عش ماشئت فإن الموت مصرعك,والتراب مرقدك, ومنكرونكيرجليسك, والدودمأنسك,والأخرة موعدك, والجنة أوالنارموردك.
قال الشاعر:
كلنا في غفلة و المو &  ت يغدو ويروح
نح على نفسك يا مسكي&ن إن كنت تنوح
لتموتــن وإن عــمر &   ت ما عـمر نوح
قال الحسن البصري رحمه الله جل وتعالى:{فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فيها فرحا,وماألزم عبدنفسه ذكرالموت,إلاّصغرت في عينه الدنيا,وهان عليه كل مافيها}.
قال تعالى:{وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
كـل باك فسيبـكى & وكـل ناع فسـينعـى
وكل مذخور سيفنى&وكل مذكورسينسى
ليس غير الله يبقى&من علا فالله أعلـى
روى ابن ماجه في سننه,أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل:أي الناس أكيس- أي أعقل ـ قال:{أكثرهم للموت ذكرا,وأشدهم لمابعده استعدادا}.
إخواني كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها وكم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها وكم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها.
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام على فراش الموت,بل وذاق سكرات الموت,قال الله جل وتعالى في حقه:{إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون},وهذا الخطاب موجه إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم,فهاهوصلى الله عليه وسلم يدخل يده في قدح فيه ماء,ويمسح العرق على جبينه الطيب الشريف,ويقول:{لاإله إلاّالله إن للموت لسكرات}.خ.وفي رواية:{إن للموت لغمرات}.
حتى قالت عائشة رضي الله عنها:مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي,أو بين سحري ونحري,فماأكره شدة الموت لأحد أبدا بعد مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم},(خ.م).
وما عدا أن فرغ حتى رفع أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول‏:‏{مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،اللهم اغفر لي وارحمني،وألحقني بالرفيق الأعلى‏,‏اللهم الرفيق الأعلى‏}.‏
كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً،ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى‏,إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
قال جل وتعالى:‏‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ‏}‏قال الله جل وتعالى:{وما جعلنا لبشرمن قبلك الخلد أفامت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشروالخيرفتنة والينا ترجعون}.
قال الشاعرعلى بحرالطويل:
هوالموت فاحذرأن يجيئك بغتة&وأنت على سوءمن الفعل عاكفُ
وبادر بأعـمال يسرك وزنها & إذا نشّرت يوم الكتاب الصحائفُ
قال تعالى:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَآ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ  تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ  فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ  فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ  فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ  فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
كل حي سيموت&ليـــــس في الدنياثبـــــــوت
حركات سوف تفنــــــى& ثم يتلوهاخفــــــوت
وكلام ليس يحلــــــو & بعده إلى السكــــــوت
أيهاالسادرقل لــــــي & أن ذاك الجبـــــــروت
كنت مطبوعاعلى&الــــنطق فماهذاالصمــوت
ليت شعرى أهمـــود& مـــاأراه أم قنــــــــوت
أين أملاك لهـــم & فــي كل أفق ملكــــــــــوت
زالت التيجان عنهــــم&وخلت تلك التخــــوت
وعمرت منهم قبــــور&وخلت منهم بيــــــوت
إنما الدنيا خيـــــال & باطل سوف يفــــــــــوت
ليس للأنسان فيهــــا&غيرتقوى الله قــــــــوت
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حكم بالفَناء على هذه الدارِ،وأخْبَرَ أنّ الآخرةَ هي دارُ الْقَرارِ,أحمدُه على نِعَمهِ الْغِزار،وأشْهدُ أنْ لا إله إلا الله الواحدُ القهّار وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله حذّر مِنَ الرُّكونِ إلى هذه الدّار,صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الْبَرَرَةِ الأطْهار,وَسلّم تسْليماً كثيراً ..أما بعد :
عبادالله:إعلمواأن بعد الموت بعث,وبعد البعث حشر,وبعد الحشرحساب,وبعد الحساب,إما خلود في الجنان,وإما خلود في النيران.
قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
عبادالله:
 سبيلُ الخلقِ كلُّهمُ فنـــاءُ& فما أحـدٌ يدوم له بقـاءُ
يقرِّبنا الصباحُ إلى المنايـا &ويُدنينـا إليهنَّ المسـاءُ
أتأملُ أنْ تعيشَ وأيُّ غصنٍ &على الأيام طال له النماءُ
قال المازني رحمه الله تعالى:{دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه,فقلت:كيف أصبحت ياأباعبدالله؟قال فرفع رأسه فقال:أصبحت من الدنياراحلا,ولكأس المنيى شاربا,ولسوء فعالي ملاقيا,وعلى الله واردا,فلاأدري,أروحي إلي الجنة تصيرفأهنيها,أم في النارتصيرفأعزيها,ثم بكى وأنشد يقول:
لما قسا قلبي وضاقت مذاهبي&جعلت الرجامني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته & بعفوك ربي كان عفوك أعظما
عبدي رجعواوتركوك,وفي التراب دفنوك,ولوظلوا معك مانفعوك,ولم يبق لك إلاّ أنا,وأنا الحي الذي لايموت.
روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يتبع الميت ثلاثة،فيرجع اثنان ويبقى معه واحد:يتبعه أهله وماله وعمله،فيرجع أهله وماله ويبقى عمله}.
وفي صحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي,إن كان من أهل الجنة،فمن أهل الجنة,وإن كان من أهل النار،فمن أهل النار,يقال:هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة}.
حارت الأفكار في قدرة مــــن& قد هدانا سبلنا عز وجـــــل
كتب الموت على الخلق فكم &فل من جمع وأفنى من دول
أين نمرودوكنعان ومـــن & جمع الأموال ولى وعــــــزل
أين عاد أين فرعون ومن & رفع الأهرام من يسمع يخــــل
أين من سادوا وشادوا وبنـــوا & هلك الكل فلم تغن الحيــــل
أين أرباب الحجى أهل النهى& أين أهل العلم والقوم الأول
سيعيد الله كلا منهـــــــمُ & وسيجـزي فاعلا ما قــد فعــــل
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:{إنماأنت أيام مجموعة,كلمامضى يوم,مضى بعضك}.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى ذِكراً،وأفضلِ البشرية طهراً،وأعظمِ الخلق شرفاً ونسباً،أكثروا من الصلاة والسلام عليه,فإنَّ الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه,وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه,فقال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صل على محمد  وعلى آل محمد كما صليت.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لناآخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع مجيب الدعاء......
تأليف الشيخ:عبدالقادرلعباد


إقرأ المزيد. bloggeradsenseo

الكرامة هي الاستقامة

الاستقامة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,المتعال عن الأنداد والأضداد,لا راد لقضائه,ولا معقب لحكمه,ولا غالب لأمره,و أشهد أن محمدا عبده المصطفى،ونبيه المجتبى،ورسوله المرتضى,بُعث بالحق والقرآن،وبالنوروالإيمان,اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب المصطفى,عدد الرمال والحصى،وكلما أطاعك عبد أوعصى.
فاللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته,أما بعدُ:
عبادالله:الاستقامة وما أدراكم ما الاستقامة،ثم ما أدراكم ما الاستقامة،إنها أساس الديانة، وسبيل السلامة، إذ هي أكبر الكرامة في الدنيا والأخرة,المفضية إلى الكرامة الأبدية.
قال جل في علاه وتقدس في علياء سماه:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ},وقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}.
فبالاستقامة أُمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ},وقال تعالى:{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}وبالاستقامة أُمر النبيان الكريمان، موسى وهارون عليهما السلام قال رب الأنام: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}.
فالاسْتِقَامَةُ عباد الله:كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، تَأْخُذُ بِمَجَامِعِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَتَحَقَّقُ بِهَا مَعَالِي الأُمُورِ، وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالأُجُورِ، وَبِهَا يَكْمُلُ الإِيمَانُ، وَيُضْمَنُ الأَمْنُ يَومَ البَعْثِ والنُّشُورِ، وَتَعُمُّ الخَيرَاتُ وَالبَرَكَاتُ، ويَسْعَدُ الأَفْرَادُ وَالمُجْتَمَعَاتُ، إِنَّهَا خَصْلَةٌ مِنْ أَعْظَمِ خِصَالِ السَّائِرِينَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَجَلِّ مَدَارِجِ السَّالِكِينَ بَينَ مَنَازِلِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، يَنَالُ المَرْءُ بِهَا الكَرَامَاتِ، ويَصِلُ إِلَى أَعْلَى المَقَامَاتِ، وَيَعِيشُ بَرْدَ اليَقِينِ، وَيَحُوزُ عَلَى مَرْضَاةِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وأعظم الكرامة,لزوم الاستقامة,فلو مشى المرء على الماء،أوطار في الهواء،ما دل ذلك على قبول الله له حتى يستقيم على أمر الله ونهيه.
إذارأيت الشخص قد يطيرُ&وفوق الماء البحر قد يسيرُ
ولم يقف على حدود الشرعِ & فـإنه مستدرج وبـدعِ
فالمسكن يريد الكرامات,وقلبه من الكرى مات.
فماهي الاستقامة في اللغة أيهاالأحباب الكرام:هي ضد الاعوجاج والانحراف,فالشَّيء المستقيم هو المعتدل الذي لا اعوجاج فيه،قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.
وحد الاستقامة في الشرع:هي سلوكُ الصِّراط المستقيم، وهو الدِّينُ القيِّم من غير تعريج عنه يَمنةً ولا يَسرةً،ويشمل ذلك فعلَ الطَّاعات وتركَ المنهيات،الظاهراتِ والباطناتِ.
وقد سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة، فقال:{أن لا تشرك بالله شيئاً}.فهذا هو أصلُ الاستقامةِ,وهو استقامةُ القلب على التوحيد.
قال أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظـر&إلى آثارماصنع المليـك
عيون من لجين شاخصات&بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات&بأن الله ليـس له شريـك
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه الممتع الماتع,جامع العلوم والحكم:{وأصل الاستقامة أن يستقيم القلب على التوحيد,فإذااستقام القلب على التوحيد,استقامت الجوارح كلهاعلى طاعة العزيز الحميد}. 
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:{إستقامواوالله على الطاعة ولم يرغوا روغان الثعالب}.
 وقال الحسن البصري رحمه الله:{إستقاموا على أمر الله، فعملوا الطاعته،واجتنبوا المعصية}.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله:{الزهد في الفانية، والرغبة في الباقية}.
ثُمَّ اعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الاسْتِقَامَةَ مَنْزِلَةٌ شَاقَّةٌ تَحْتَاجُ النَّفْسُ مَعَهَا إِلَى المُرَاقَبَةِ والمُلاَحَظَةِ وَالأَطْرِ عَلَى الحَقِّ والعَدْلِ، والبُعْدِ عَنِ الهَوَى والمُجَاوَزَةِ والطُّغْيَانِ، فَالكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَّنَى عَلَى اللهِ الأَمَانِيَّ.
وهاهوالله جل وتعالى يأمر بها نبيه وحبيبه المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وأتباعه من المؤمنين,فيقول:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}.
روى الترمذي في سننه من حديث  عبدالله بن عباس رضي الله عنهماقال:{مانزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشق عليه من هذه الآية,ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب}.صححه الألباني في صحيح الجامع.
إِنَّ الاسْتِقَامَةَ عَلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى ثَبَاتٌ ورُجُولَةٌ، وانْتِصَارٌ وفَوزٌ في مَعْرَكَةِ الطَّاعَاتِ وَالأَهْوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الذِينَ اسْتَقَامُوا أَنْ تَتَنَزَّلَ عَلَيهِم المَلاَئِكَةُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ لِتَطْرُدَ عَنْهُمُ الخَوفَ والحَزَنَ، وَتُبَشِّرَهُم بالجَنَّةِ، وَيُعْلِنُوا وَقُوفَهُم إِلَى جَانِبِهِم في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَولِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.
فكما استقاموا إقراراً استقاموا إسراراً،وكما استقاموا قولاً استقاموا عملاً،لقد جمعوا بين أصلي الكمال في الإسلام:الإيمان والاستقامة.
يقول ابن كثيررحمه الله تعالى في تفسيره:أَيْ تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ نَحْنُ كنا قُرَنَاءَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا نُسَدِّدُكُمْ وَنُوَفِّقُكُمْ وَنَحْفَظُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الْآخِرَةِ نُؤْنِسُكم مِنْ الْوَحْشَةَ فِي الْقُبُورِ وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ وَنُؤَمِّنُكُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ,وَنُجَاوِزُ بِكُمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَنُوصِلُكُمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم,وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
الحمد لله سلك بأهل الاستقامة سبيل السلامة، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، بوأ المتقين في دار المقامة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرها ليوم القيامة، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، فاز من جعله إمامه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والكرامة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة.
عباد الله:إعلموا أن مَدَار الاسْتِقَامَةِ في الدِّينِ عَلَى أَمْرَينِ عَظِيمَينِ هُمَا: حِفْظُ القَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَمَتَى اسْتَقَامَا اسْتَقَامَتْ سَائِرُ الأَعْضَاءِ، وصَلَحَ الإِنْسَانُ في سُلُوكِهِ وحَرَكَاتِهِ وسَكَنَاتِهِ، لم يلتفت إلى غيره ومَتَى اعْوَجَّا وَفَسَدَا فَسَدَ الإِنْسَانُ وضَلَّتْ أَعْضَاؤُهُ جَمِيعًا،فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وامتلأ منه خشية وإجلالاً، ومهابةً ومحبة، وتوكلاً ورجاءً، وإنابة ودعاء، أخلص له في القصد والإرادة، ونبذ الشرك كله ورآء ظهره,وانتهاج للتقوى والعمل الصالح،وأعراض عما سواه، إستقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، والأعضاء جنودهُ ورعاياه، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه،كما في الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَال:{أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْب}.
 وأعظم ما يُراعى استقامتُه بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح اللسانُ، فإنَّه ترجمانُ القلب والمعبِّرُ عنه.
كماقال الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما&جعل اللسان على الفؤاد دليلا
روى الإِمَامِ أَحْمَدُ في مسنده مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ}.
وروى الترمذي ,عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه،رَفَعَهُ قَالَ:{إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا}.
إحذر لسانك أيّـها الإنسان& لا يلدغنّـك إنّـه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه&كانت تهاب لقاءه الفرسان
وقال الآخر:
أمسك لسانك وقل مرددا&هذاالذي أوردني المواردا
وروى مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه, أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الوصية، ويسترشده النصيحة، ويطلب منه قولاً لا يسأل عنه أحداً قبله ولا بعده، فقال صلى الله عليه وسلم موجهاً ذلك السائل:{قل آمنت بالله ثم استقم}.
فمن أخر الصلاة عن وقتها فهو غير مستقيم ، لأنه أضاع الصلاة.
ومن منع الزكاة فهو غير مستقيم لأنه أضاع الزكاة.
ومن يعتدي على الناس في أعراضهم فغير مستقيم.
ومن يغش الناس ويخادعهم في البيع والشراء والإجارة والتأجير وغير ذلك فهوغير مستقيم.
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأضاه:{حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا،وزينها قبل أن توزنوا,وتهيؤا للعرض الأكبر يوم لا تخفى منكم خافية}.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى ذِكراً،وأفضلِ البشرية طهراً،وأعظمِ الخلق شرفاً ونسباً،أكثروا من الصلاة والسلام عليه,فإنَّ الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه,وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه,فقال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صل على محمد  وعلى آل محمد كما صليت.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته و لا كربا إلا نفسته,و لا عسيرا إلا يسرته,و لا عدوا للإسلام إلا دمرته.
اللهم نعوذبك  من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
اللهم حَبَّبَ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا وَكَرَّهَ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وجعلنا من الرَّاشِدُينَ.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا,وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم فرج هم المهمومين واقضي الدين عن المدينين وفك أسرى المأسورين واشف مرضانا ومرضى المسلمين,وسلِّم الحجاج والمسافرين في بَرِّك وبَحْرِك وجَوك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.....
تأليف فضيلة الشيخ:عبدالقادرلعباد 


إقرأ المزيد. bloggeradsenseo

 
  • تابعنا