الموت فاحذره

هادم اللذات
الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم فى الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ومن ملاعبة الجوارى والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ فى التراب ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزا واتخذوا من دونه حجابا وحرزا وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء واستأثر باستحقاق البقاء وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ثم جعل الموت مخلصا للأتقياء وموعدا فى حقهم للقاء وجعل القبر سجنا للأشقياء وحبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل والقضاء فله الإنعام بالنعم المتظاهرة وله الانتقام بالنقم القاهرة وله الشكر فى السموات والأرض وله الحمد فى الأولى والآخرة والصلاة على محمد ذي المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً,أما بعد:
عباد الله:إن الله جعل الدنيا دار فناء وزوال وجعل الأخرة دار خلود وبقاء وجعل الموت دليلا على قوته وعظمته وجبروته وتلك هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير مهما ادعى احد لنفسه من مقومات المحابا,قال جل وتعالى:{كل نفس ذائقة الموت}.هذه الأية تكررت في ثلاثة مواضع من كتاب الله جل وتعالى:في آل عمران و الأنبياء و العنكبوت,فهذه جملة موجبة لا استثناء فيها,والله لم يعبر بالفعل المضارع وإنما عبر باسم الفاعل الذي يفيد الثبوث والاستقرار,قال جل وتعالى:{ونحن له عابدون},وقال أيضا:{ونحن له مخلصون},و بعد موت الخلائق,ينفرد الله جل وتعالى بالديمومة والبقاء,فيكون آخرا كما كان أولا,فهذه الأية فيها تعزية لجميع البشرية,أنه لا يبقى أحد على وجه الأرض إلا وسيموت.
قال الشاعرعلى بحر البسيط :
كل ابن انثى وإن طالت سلامته&يوما على لوحة حدباء محمــــول        
  يا ابن التراب و مأكول التراب غدا&أقصر فإنك مأكول ومشـــروب
إن لكل بداية نهاية وإن لكل قوة ضعف ولكل حياة موتا,فالموت ليس له سبب معين ولا وقت معين ولا عمر معين,ومن لم يمت يالسيف مات بغيرهوتعددت الأسباب والموت واحد.
ياابن آدم عش ماشئت فإن الموت مصرعك,والتراب مرقدك, ومنكرونكيرجليسك, والدودمأنسك,والأخرة موعدك, والجنة أوالنارموردك.
قال الشاعر:
كلنا في غفلة و المو &  ت يغدو ويروح
نح على نفسك يا مسكي&ن إن كنت تنوح
لتموتــن وإن عــمر &   ت ما عـمر نوح
قال الحسن البصري رحمه الله جل وتعالى:{فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فيها فرحا,وماألزم عبدنفسه ذكرالموت,إلاّصغرت في عينه الدنيا,وهان عليه كل مافيها}.
قال تعالى:{وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
كـل باك فسيبـكى & وكـل ناع فسـينعـى
وكل مذخور سيفنى&وكل مذكورسينسى
ليس غير الله يبقى&من علا فالله أعلـى
روى ابن ماجه في سننه,أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل:أي الناس أكيس- أي أعقل ـ قال:{أكثرهم للموت ذكرا,وأشدهم لمابعده استعدادا}.
إخواني كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها وكم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها وكم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها.
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام على فراش الموت,بل وذاق سكرات الموت,قال الله جل وتعالى في حقه:{إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون},وهذا الخطاب موجه إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم,فهاهوصلى الله عليه وسلم يدخل يده في قدح فيه ماء,ويمسح العرق على جبينه الطيب الشريف,ويقول:{لاإله إلاّالله إن للموت لسكرات}.خ.وفي رواية:{إن للموت لغمرات}.
حتى قالت عائشة رضي الله عنها:مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي,أو بين سحري ونحري,فماأكره شدة الموت لأحد أبدا بعد مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم},(خ.م).
وما عدا أن فرغ حتى رفع أصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول‏:‏{مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،اللهم اغفر لي وارحمني،وألحقني بالرفيق الأعلى‏,‏اللهم الرفيق الأعلى‏}.‏
كرر الكلمة الأخيرة ثلاثاً،ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى‏,إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
قال جل وتعالى:‏‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ‏}‏قال الله جل وتعالى:{وما جعلنا لبشرمن قبلك الخلد أفامت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشروالخيرفتنة والينا ترجعون}.
قال الشاعرعلى بحرالطويل:
هوالموت فاحذرأن يجيئك بغتة&وأنت على سوءمن الفعل عاكفُ
وبادر بأعـمال يسرك وزنها & إذا نشّرت يوم الكتاب الصحائفُ
قال تعالى:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَآ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ  تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ  فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ  فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ  فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ  فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
كل حي سيموت&ليـــــس في الدنياثبـــــــوت
حركات سوف تفنــــــى& ثم يتلوهاخفــــــوت
وكلام ليس يحلــــــو & بعده إلى السكــــــوت
أيهاالسادرقل لــــــي & أن ذاك الجبـــــــروت
كنت مطبوعاعلى&الــــنطق فماهذاالصمــوت
ليت شعرى أهمـــود& مـــاأراه أم قنــــــــوت
أين أملاك لهـــم & فــي كل أفق ملكــــــــــوت
زالت التيجان عنهــــم&وخلت تلك التخــــوت
وعمرت منهم قبــــور&وخلت منهم بيــــــوت
إنما الدنيا خيـــــال & باطل سوف يفــــــــــوت
ليس للأنسان فيهــــا&غيرتقوى الله قــــــــوت
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حكم بالفَناء على هذه الدارِ،وأخْبَرَ أنّ الآخرةَ هي دارُ الْقَرارِ,أحمدُه على نِعَمهِ الْغِزار،وأشْهدُ أنْ لا إله إلا الله الواحدُ القهّار وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله حذّر مِنَ الرُّكونِ إلى هذه الدّار,صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الْبَرَرَةِ الأطْهار,وَسلّم تسْليماً كثيراً ..أما بعد :
عبادالله:إعلمواأن بعد الموت بعث,وبعد البعث حشر,وبعد الحشرحساب,وبعد الحساب,إما خلود في الجنان,وإما خلود في النيران.
قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
عبادالله:
 سبيلُ الخلقِ كلُّهمُ فنـــاءُ& فما أحـدٌ يدوم له بقـاءُ
يقرِّبنا الصباحُ إلى المنايـا &ويُدنينـا إليهنَّ المسـاءُ
أتأملُ أنْ تعيشَ وأيُّ غصنٍ &على الأيام طال له النماءُ
قال المازني رحمه الله تعالى:{دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه,فقلت:كيف أصبحت ياأباعبدالله؟قال فرفع رأسه فقال:أصبحت من الدنياراحلا,ولكأس المنيى شاربا,ولسوء فعالي ملاقيا,وعلى الله واردا,فلاأدري,أروحي إلي الجنة تصيرفأهنيها,أم في النارتصيرفأعزيها,ثم بكى وأنشد يقول:
لما قسا قلبي وضاقت مذاهبي&جعلت الرجامني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته & بعفوك ربي كان عفوك أعظما
عبدي رجعواوتركوك,وفي التراب دفنوك,ولوظلوا معك مانفعوك,ولم يبق لك إلاّ أنا,وأنا الحي الذي لايموت.
روى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يتبع الميت ثلاثة،فيرجع اثنان ويبقى معه واحد:يتبعه أهله وماله وعمله،فيرجع أهله وماله ويبقى عمله}.
وفي صحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي,إن كان من أهل الجنة،فمن أهل الجنة,وإن كان من أهل النار،فمن أهل النار,يقال:هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة}.
حارت الأفكار في قدرة مــــن& قد هدانا سبلنا عز وجـــــل
كتب الموت على الخلق فكم &فل من جمع وأفنى من دول
أين نمرودوكنعان ومـــن & جمع الأموال ولى وعــــــزل
أين عاد أين فرعون ومن & رفع الأهرام من يسمع يخــــل
أين من سادوا وشادوا وبنـــوا & هلك الكل فلم تغن الحيــــل
أين أرباب الحجى أهل النهى& أين أهل العلم والقوم الأول
سيعيد الله كلا منهـــــــمُ & وسيجـزي فاعلا ما قــد فعــــل
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:{إنماأنت أيام مجموعة,كلمامضى يوم,مضى بعضك}.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى ذِكراً،وأفضلِ البشرية طهراً،وأعظمِ الخلق شرفاً ونسباً،أكثروا من الصلاة والسلام عليه,فإنَّ الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه,وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه,فقال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صل على محمد  وعلى آل محمد كما صليت.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لناآخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع مجيب الدعاء......
تأليف الشيخ:عبدالقادرلعباد


تصنيف :

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
  • تابعنا