فعتبروا يا أولي الأبصار




إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره,و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا,من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له,و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له,المتعال عن الأنداد و الأضداد,لا راد لقضائه,و لا معقب لحكمه,و لا غالب لأمره,و أشهد أن محمدا عبده المصطفى,ونبيه المجتبى,ورسوله المرتضى,البشير النذير,والسراج المزهر المنير,خير الأنام مقاما,وأحسن الأنبياء كلاما,لبنة تمامهم,و مسك ختامهم,رافع الإصر و الأغلال,الداعي إلى خير الأقوال وأحسن الأعمال,بعثه الله بين يدي الساعة بشيرا و نذيرا,و داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منير.
أرسله الله جل وتعالى على حين فترة من الرسل,فجاء بالدين الوسط,وحذر من الزيغ والشطط,وأقام به الملة العوجاء,وأوضح به الحجة البيضاء.
ختم الله به الرسالة,وعلَّم به من الجهالة,وهدى به من الضلالة, وأرشد به من الغواية,وفتح به أعينا عميا,وآذانا صما,وقلوبا غلفا,فأشرقت الأرض بدعوته بعد ظلاهما,وتألفت به القلوبُ بعد شتاتها.
فاللهم اجزه عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته,وصل اللهم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين, وأصحابه الغر الميامين,وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين,أما بعدُ:
عباد الله:إن ما يقع في العالم من حوادثَ ومجرياتٍ,لا يقع صدفة ولا محض عشواء,والظاهرات الكونية من الزلازل والفيضانات والبراكِينِ وغيرها من الآيات الدالة على خالق هذا الكون وعظمته,فلا يتحرك متحرك,ولا يسكن ساكن إلا بعلمه وإذنه،قال الله جلت قدرته:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هو وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.
عباد الله:لقد أودع الله العليمُ الحكيمُ هذا الكون سنناً ثابتة,لا تتغير ولا تتبدل ممهما ادعى أحد لنفسه من مقومات المحاباة,وهذه سنة مُطَّردةُ,وما نشاهده اليوم من العقوبات في بعض البلدان والقرى القريبة والبعيدة,لهو أكبر زاجر وواعظ,زلازلٌ وأعاصيرٌ,براكينٌ وفيضانات،حروب ودمار,والجزاء من جنس العمل.
لقد طغت الماديات وتفنن الناس في المحرمات,وأصبح المعروف عند بعض الناس من أنكر المنكرات,والمنكرُ من أعرف المعروفات,والمصيبة الكبرى,أن قل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر,فماذا ننتظر بعدها؟!إسمع رعاك الله!قال البشير النذير صلوات ربي وسلامه عليه:{إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوَا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ،يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ},رواه ابن ماجة في سننه,والإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه.
قال الجبار جلت قدرته:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً}.
أيها المسلمون:إن الله تعالى قص علينا قصص الأمم السابقة وما حل بها لنتعظ ونعتبر،ولا نفعل فعلهم حتى لا يصيبنا ما أصابهم,قال الله جل جلاله:{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}.
وسنن الله ماضية وسارية على الجميع دون محاباة ولا تمييز,لذلك قال ربنا تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
فهذه الظواهر من السيول والزلازل والبراكين والعواصف,لهي جند من جنود الملك المقتدر,التي سخرها الله عقاباً للمذنبين،وابتلاءً للصالحين،وعبرة للناجين,وإن لم ننظر لهذه الحوادثِ بهذا المنظارِ فلن نستفيد من حدوثها ووقوعها,فالله تعالى حكيم فيما يقضيه ويُقَدِّرُه,فهو سبحانه يسخر ما يشاء من الآيات تخويفاً لعباده وتذكيراً لهم,كما قال:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}.
عباد الله:تذكرون معيَ الحدثَ الجللَ الذي مر على العالم منذ سنن,وقد سمع به آنذاكَ القاصي والداني,ألا وهوزلازل تسونامي العظيم,الذي أتى على الأخضر واليابس,فأصاب عدداً من البلاد المسلمة والكافرة،وهاج البحر فانطلقت أمواجه تحصد الأرواح والممتلكات,ففي أقل من دقيقة كانت عشرات الآلاف من القتلى،ومثلِهم من المفقودين,وملايينَ المشردين,ومليارات الخسائر المادية,ليعلمَ الناسُ أن بطش الله شديد,وأنه جل جلاله فعَّالٌ لما يريد،{ومَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
لقد كان جزء كبير من المناطق المنكوبة,منتزهات يأوي إليها الفساق والفجار,يرقصون ويغنون,ويسكرون ويُعَرْبِدون,زنا ولواط,وفواحشٌ ومنكرات,فلما رأى البحر محارم الله تنتهك،وأوامرَه تُضيع,غار البحر على محارم الله,فثار ومار واستأذن من الجبار,أن يغرق العصاة والمذنبين.
جاء في مسند الإمام أحمد فيما رُوي عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَرْضِ،يَسْتَأْذِنُ اللهَ فِي أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ أي:ينفتح ويسيل،فَيَكُفُّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ}.ومن باب الأمانة العلمية أن الحديث ضعيف أنظر السلسة الضعيفة وضعيف الجامع الصغير.
فلآ إله إلا الله,البحر يتمعر ويتمنى إغراق العصاة,ويستطيع ولكنه مأمور,ولقد أنذرهم الله فتماروا بالنذر،وقد أعذر من أنذر.
فغار الله الجبارُ في سمآئه,فأوحى لأرضه أن تزلزلي،وأوحى لبحاره أن هيجي وأغرقي,فما كان للأرض أن تعصيه,وما كان للبحار إلا أن تستجيب لأوامره،فما الذي حدث؟إسمع يا رعاك الله!وافتح القلب قبل أن تفتح الأذنين,في دقائق معدودة أقاليمٌ بأكملها زالت,وقرى بكل ما فيها انمحت,وأمم من البشر بادت وماتت،وبعض الجزر غطتها الأمواج العاتية،فأفنت بنيانها وأهلكت حرثها ونسلها وزرعها,وأزالت أشجارها,فترى القوم فيها صرعى,كأنهم أعجاز نخل خاوية,فلم تستطع المباني الشاهقة،ولا الأشجار العالية،أن تقف أمام الموجات العالية العاتية,التي وصلت قوتها وسرعتها إلا مئات الكِيلُومِتْرات.
لآ إله إلا الله,فلا ترى يا عبد الله إلا مباني,قد سويت بالأرض,وسياراتٍ ومراكبَ اصطدمت ببعضها البعض,فهذا فعل الأمواج العاتية,بالممتلكات والأشجارِ والمباني العالية,فما تظن أنها فعلت بالبشر الضعفاء؟!لاحول ولاقوة إلا بالله!عشرات الآلاف من الجثث الهامدة،وبقايا أجسادٍ متعفنة،منها ما هو طريح الرمال،ومنها ما هو معلق بالأشجار,ومنها ما هو مدفون تحت البِنَايَات المتهدمة,وليس من شيء يعبر عن وصف تلك الحالِ مثلَ قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
أمة الإسلام:لقد كانت تلك الشواطئُ،وتلك الديارُ من أجمل بقاع الأرض,بما حباها الله من جبال وغابات وبحار وأشجار,وبدلاً من أن يأتي الناس إليها متفكرين لعظيم جمال خلق الله,أتوها من كل مكان وجعلوها أماكن للعُهر والفساد:{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مشركون* أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللهِ أَو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ},ولكنهم استبدلوا نعم الله كفرا,وعتو في الأرض فسادا:{فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ},
أيها السادة الكرام:عندما تقع مثلُ هذه الكوراث,تتحدث عنها وسائل الإعلام،فيحللون ويعللون ويذكرون أسباباً عدة,ولكنهم للأسف  الشديد لا يذكرون السبب الرئيسي لهذه الكوارثِ والمصائب,فهل ربطوا الناس بربهم وخالقهم وبينوا أن الأمر كله لله؟,إن مثلَ هذه الفيضانات الجارفة,والزلازل مدمر,الأعاصير العارمة,يجب أن يقف معها المرء وقفت تأمل واعتبار.
عباد الله:إن الناظر في مجريات حياتنا،والمتأمل في واقعنا ومعاشنا,سيصاب بالرعب والفزع بسبب ما نراه من انتهاك لحرمات الله وحدوده،وتضييع لأوامر الله وواجباته,فانظر إلى حال الناس في الصلاة،وما مدى محافظتهم على صلاة الجماعة؟وكم هم الذين يشهدون ويواظبون على صلاة الفجر؟بل قد تجد جمهرة من المسلمين لا يصلون لله رب العالمين,وجمهرة لاتصل إلا في رمضان والأعياد والجمعات, والله المستعان.
وانظر رعاك الله!إلى حال الناس مع أكل الربا والمسارعة إليه والحرص على المشاركة فيه!ألم يُعْلِن هؤلاء الحرب على الله جل جلاله؟!ألم يُدْعَى الناس للمساهمة في المعاملات الربوية، فسارع أكثرهم وهم معرضون عن تهديد الله:{اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ},ثم انظر إلى انتشار الرشوة بين الناس,التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها ومعطيها،فأين الصالحون,أما آلمك ياعبد الله ما آل إليه حال النساء من تبرج وسفور؟!فأين الصالحون؟!ألم تسمع وتر ماذا فعلت بنا الشاشات والأطباق الفضائيات؟!والله ما فرح الشيطان وأعوانه من الإنس والجان بمثلِ فرحهم بهذه الأطباق,التي فعلت بالأمة فعلها,فضيعت للأمة دينها,وأفسدت عليها عقيدتها,ودمرت أخلاقها,حتى وصل الأمر إلى أن يقع الأب على ابنته،والأخ على أخته,فانُتهِكت المحارم,وصار الناس في جهالة جهلاء وضلالة عمياء,وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله لا تنجو المجتمعات إلا بالصالحين المصلحين،الآمرين بالمعروف,والناهين عن المنكر.
فالله يمهل ولا يهمل,إننا والله نخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا من مكر الله تعالى وعقوبته,قال الله:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَو يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَو يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَو يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.
أما قال الله حين أهلك القرى الظالمة العاصية:{وَمَا هِيَ مِنَ الظََّالمين ببعيد},فهل بيننا وبين الله حَسَبٌ؟وهل بيننا وبين الله نَسَبٌ حتى نأمن مكره وعقوبته؟!:{قُلْ هو الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَومِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهونَ}.
عجيب والله أمر الناس!الفيضانات والزلازل تضرب غرب الأرض،والناس في شرقها يضحكون ويمرحون في غمرة ساهون:{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ}.
والله ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها،ولا فشت في أمة إلا أذلتها،ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها،قال الجبار جلت قدرته:{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ}.
ولا تظنوا أن العقوبات إنما تكون زلازلا وبراكين وسيولا وأعاصير،بل قد تكون حروباً وذهاباً للأمن والأمان,كما ترون في سوريا والعراقِِ ليبيا واليمن,وقد تكون عقوباتٍ اقتصادية،وسوءًا للأوضاع المالية,فهل من مُدَّكِر؟!.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم،وبحديث سيد المرسلين،أقول ما تسمعون،وأستغفر الله العظيم لي ولكم,فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال،المتفرد بالبقاء والكمال،أحمده سبحانه على جزيل الإنعام،وأشكره على عظيم الإفضال،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,الكبير المتعال،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله،المنقذُ بإذن ربه من الضلال،والداعي إلى كريم السجايا والخلال،وشريفِ الأخلاق والخصال،دل على حسن الأقوال،وطَيبِ الأفعال،وحث على أفضل الأعمال،وحذر من التسويف والإهمال،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله خيرِ أهل وآل،وعلى أصحابه أهل الإكبار والإجلال،وتابعيهم بإحسان,بلغوا بتقواهم أعالي الجبال،ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل,أما بعدُ:
اتقوا الله عباد الله!فقد أخبرنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن هذه الزلازلَ والحروبَ والفتنَ لهي من أشراط الساعة ومن علامات قربها،فقد قال بأبي هو وأمي وروحي كما في صحيح البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال صلى الله عليه وسلم:{لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ،وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ،وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ،وَتَظْهَرَ الفِتَنُ،وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ}.
وروى الشافعي في مسنده عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ,أَنَّ كَعْبًا قَالَ لَهُ:{إِنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ السُّيُولَ سَتَعْظُمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ}.
وها أنتم ترون هذا بأم أعينكم في هذا الزمن مصداقاً لقوله عليه صلاة و السلام,فماذا بعد الحق إلا الضلال؟قال الله الكبير المتعال:{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}.
إن الواجب علينا في مثل هذه الأحداث،وفي مثل هذه الظروف أن نرجع إلى الله,وأن نلجأ إلى الله,وأن نتضرع إلى الله,وأن نتوب ونستغفر الله،وألا نكونَ كالذين قال الله فيهم:{وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
إخوتاه:قد تكون الأحداث في ظاهرها مؤلمة,ولكنها رحمة من الله رب العالمين,حتى يراجع المسيء حساباته,ويزيد الصالح في صلاحه,وينتهي أهل الباطل عن باطلهم,وأن يعلم الجميع أن هذه العقوبات والمعاصي والفواحش والمنكرات إنما هي سبب هذه العقوبات,كما قال الله تعالى:{فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ}.
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون،واعلموا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب،وما رفع إلا بتوبة،فلا تكونوا من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.
فالواجب علينا عباد الله,عند نزول هذه الحوادثِ وهذه الآيات,المسارعة بالتوبة والضراعة إلى الله،والإكثارُِ من ذكره واستغفاره,ويستحب في هذه النوازل أن نرحم المساكين,وأن نتصدق عليهم،لقوله صلى الله عليه وسلم:{ارْحَمُوا تُرْحَمُوا}،وقال أيضاً:{الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ،ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاء}،وقال أيضاً:{مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ}.
هذا ولنجعل مسك الختام كثرةَ الصلاة والسلام على بدر التمام,وشفيع الأنام,سيدِنا محمدٍ الرسول المصطفى,والنبي المجتبى,اللهم صل وسلم عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات,وعلى آله الأطهار,وصحابته الأبرار,وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته و لا كربا إلا نفسته,و لا عسيرا إلا يسرته,و لا عدوا للإسلام إلا دمرته.
اللهم يا سامع كل شكوى,ويا عالماً بكل نجوى! يا سابغ النعم!ويا دافع النقم!ويا كاشف الظُّلم!ويا ولي من ظُلِم! يا من لا تراه العيون،ولا تخالطه الظنون،ولا يصفه الواصفون.يا رب البيت العتيق!اللهم اكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق،واكفنا والمسلمين ما نُطيق وما لا نُطيق.
إخواننا في هذه الأماكن المنكوبة,اللهم ارحم موتاهم،واشف مرضاهم،وأعنهم على ما حل بهم,يا أرحم الراحمين.
اللهم إنهم جوعى فأطعمهم،اللهم إنهم حفاة فاحملهم،اللهم إنهم خائفون فأمنهم يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء,والربا والزنا,والفواحش والفتن, ما ظهر منها وما بطن.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين.
اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير،واعف عنا الكثير،وتقبل منا اليسير،إنك نعم المولى ونعم النصير.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك،وتحول عافيتك،وفُجاءة نقمتك،وجميع سخطك.........
تأليف الشيخ:عبدالقادر لعباد


تصنيف :

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
  • تابعنا