الأمطار والسيول تنبيهات ورسائل لأولي الأبصار والعقول

الأمطار والسيول تنبيهات ورسائل  لأولي الأبصار والعقول
الحمدلله اللطيفِ الرؤوفِ المنان،الغني القويِ السلطان،الحليمِ الكريمِ الرحيمِ الرحمان،الأولِ فلا شئ قبله,والأخرِ فلا شئ بعده،والظاهرِ فلا شئ فوقه،والباطنِ فلا شئ دونه،يعلمُ ماكانَ وما لم يكنْ لو كانَ كيف كان يكون،أرسي الأرضَ بالجبالِ في نواحيها,وأرسلَ السحابَ الثقالَ بماءٍ يحييها,ثمَّ قضي بالفناءِ علي جميعِ ساكنيها،ليجزيَ الذين أساؤا بما عملوا ويجزيَ الذين أحسنوا بالحسني،أحمدُهُ عزّ وجلّ وأشكرُه,ومن مساويِ عملي أستغفرُه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،جلّ عنِ الأشباهِ والأمثالْ وتقدَسَ عنِ الشركاءِ والأنداد والأضداد،لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع,ولا ينفع ذا الجد منه الجد،وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا وأسوتَنا محمدٌ رسولُ الله عِترتُه خيرُ عِترة،وسيِرته خيرُ سيرة،وشجَرتهُ خيرُ شجرة نبتت في حرمٍ وبسقت في كرمِ،أرسله الله بشيرا ونذيرا وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا،ففتّح الله به أعيناً عميا,وأذاناً صما وقلوباً غلفا،فصلواتُ الله عليه وعلي آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلي يومِ الدين,أما بعد:
أيها المسلمون:إننا ندرك عبر سنن الله الكونية,ما لطاعة الله تعالى من آثار حميدة وعاقبة سعيدة،وما للمعصية من آثار قبيحة وعاقبة سيئة؛ولكن يغفُل عن ذلك الذين هم في غمرتهم ساهون.
وإن ما نشاهده من هذه الآيات والكوارث والمصائب والنوازل لتجعل المؤمن متصلاً بالله،ذاكراً له شاكراً لنعمه،مستجيراً به خائفاً من نقمته وسخطه,قال جل وعز:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}.
وإن نزول الأمطار من السماء أحياناً،لا يكون نزوله رحمة،بل هو عذاب وعقوبة إلهية لتلك القرية،أو لتلك الأمة وقد أهلك الله عز وجل أمماً وأقواماً بهذا الماء،في القديم وفي الحديث.
ولكن للأسف الشديد,فإن سكان الأرض لايستفيدون من تلك الآيات الظاهرات الساطعات البينات،ولا ينزلونها منزلتها الصحيحة،فالذي حدث في هذه الأيام أن وسائل الإعلام نقلت لنا الخبر وتكلمت عن أسباب الفيضانات الجارفة والأعاصير المدمرة والسيول العارمة،ونظر الناس إليها من المنظور العلمي،وما ذكروا أنها عقوبةٌ من الله جزاء مخالفة أهل الأرض لأوامر الله تبارك وتعالى،فالأمر أمره،والأرض أرضه،والسماء سماؤه،يفعل ما يشاء:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
أيها المغاربة:إن الذي نزل ببلادنا من الأمطار والسيول,لهو تنبيهات ورسائل  لأولي الأبصار والعقول,فضرب كانت عليه بلسما ونعيما,وضرب كانت عليه عذابا وجحيما:{وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفا}.
ولقد رأينا بأم أعيننا على شاشات التلفاز والقنوات,تلك الأحداث التي جرت في إفني وكليم وورزازات وغيرها من أقاليم الجنوب,والتي نتج عنها غرقٌ وهلع،ونقص في الأموال والأنفس والثمرات،وليس الخبر كالمعاينة،فقد نقلت لنا وسائل الإعلام الخبر إلا أننا لا نستطيع أن نتصور ما حدث هناك حقيقة،فالذي حدث أمر يفوق تصور الإنسان،ولا يستطيع الإنسان بعقله المحدود أن يتصور ما حدث هناك،حتى حين ترى وتقف في تلك الأماكن فإن العقل يقف حيراناً،كيف حدث هذا؟!وكيف تم هذا في لحظات؟!وما هي تلك القوة التي أحدثت كل هذا الدمار في لحظات معدودة؟!إنها قوة الجبار الذي إذا أراد أمراً فإنما يقول له كن فيكون,قال جل وتعالى:{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضحى وَهُمْ يلعبون},نعم رأينا قيامة مصغرة،أليس يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض؟لقد انقلبت الأرض رأساً على عقب،فلاهي بالبيوت التي كانوا يعرفونها،ولا بالأشجار التي كانوا يرونها.
السيل يقلع ما يلقاه من شجر ... بين الجبال ومنه الصخر ينفطر
حتى يوافي عُبابَ البحر تنظره ... قد اضمحل فلا يبقى له أثر
هل تظن أن بيوتهم خشبية؟ لا والله! بل هي مبنية من الحديد والإسمنت،لكنها لم تصمد أمام هذه السيول الجارفة التي تدفقت عليها من كل مكان،لا حواجز توقفها،ولا جدران تصدها،فأتت على الأخضر واليابس تدمر كل شيء بإذن ربها،لا إله إلا الله!أي قوة لهذه الفيضانات حتى اقتلعت هذه البيوتَ من أصلها,فجعلتها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا,أين ذهبت؟ لقد ساقتها الفيضانات إلى البحار التي تبعد عشرات الكيلو مترات عن تلك القرى أو أكثر.
وإنها مصيبة كبرى وكارثة عظمى أتت على الناس فاجتاحت أصول مكاسبهم,وتركتهم صفرا,
لا ماء,ولا كهرباء,انهيار وبكاء,وبيوت تصدعت وهي على وشك الانهيار،وأرامل وأطفال يقيمون في العراء,ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ ... فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ ... مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ ... وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
فمن يحفظنا من بأس الله إن جاءنا؟أتظن أن الصلاة والصيام ستنجينا؟لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم,أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟قَالَ:{نَعَمْ،إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ}.
أيها المسلمون:هل علمتم أن تقصيرنا هو سبب تكديرنا، وذنوبنا هي سبب كروبنا،قال العليم القدير:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ},لو آمنا حق الإيمان لأمنا،ولو أسلمنا حق الإسلام لسلَّمنا،ولو اغتنمنا جواهر الزمن لغنمنا،قال اللطيف الخبير:{وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ}.
ألا فاتقوا الله - يا عباد الله-،وقفوا عند حدود الله وعظّموا حرماته:{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ},وإيّاكم أن تزيدوا فسوقاً كلما زادكم الله نعيما,وأنتم تقرءون عن قوم قال الله فيهم:{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
فلنتق الله أيها المسلمون:ولنأخذ بأسباب النجاة؛فإن هلاك الإنسان ونجاته مقيد بما كسبت يداه،ولنعتبر بمن حولنا،ولنتعظ ما جرى لأقوام غيرنا،و هاهوعبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول:{أَلَا إِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ،وَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ}.رواه الإمام مسلم.
واحذروا -يا عباد الله- المعاصي صغيرها وكبيرها،وعليكم بملازمة الاستغفار والتوبة,فإن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها،وبعدها:{لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}.
نسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من الذين إذا وعظوا اتعظوا،وإذا أذنبوا استغفروا،وإذا ابتلوا صبروا،إنه سميع قريب مجيب.
اللهم بارك الله لنا في كتابك المبين،واجعلنا لأوامرك مذعنين،ولنواهيك منتهين،وانفعنا بهدي نبي الثقلين،واجعلنا لسنته متبعين،وبهديه متمسكين.
أقول ما سمعتم،وأستغفر الله لي ولكم،فاستغفروه،إنه هو الغفورالرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله خلقَ الليلَ والنهارَ،وقدَّرَهما مواقيتَ للأعمال ومقادير للأعمار،لا إله إلا هو جعلَ في مرورِ الأيامِ والليالي عِبَرًا لأهل هذه الدار،أحمده سبحانه وأشكره على عظيم آلائه والشكرُ سبيلٌ للمزيد والاستِكثار،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصة بصدق المُعتقَد وصحةِ الإقرار،وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله,النبيُّ الأُمِّي العربيُّ الهاشميُّ المُصطفى المُختار،صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار الأبرار،والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار،وسلَّم تسليمًا كثيرًا,أما بعد:
أيها المسلمون:إن هذا الحدث الجلل الذي وقع جراء الأمطارالمدمرة,والسيول الجارفة في أقالمنا الجنوبية لهو مصابنا جميعاً لكوننا أسرة واحدة وإخوة في الدين والعقيدة،ولو تباعدت المسافات والأقطار,فيجب علينا أن نشاركهم في محنتهم،وأن ندعوالله أن يرفع عنهم محنتهم,وأن يشفي مصابهم,ولا ننسى الدعاء للغرقاهم وموتاهم,وأن نخفف عنهم من مصابه مهما استطعنا إلى ذلك سبيلا,قال تعالى:{إنما المؤمنون إخوة}.
فالله الله بالالتفاف حول المسلمين عند مصابهم،فإن لم نلتف حولهم في مصابهم ونعينهم على آلامهم فمتى يكون ذلك؟!أسأل الله أن يخفف عنهم مصابهم،وأن يرحم موتاهم،وأن يجعل ذلك عبرة لنا وآية،وأن يحيي بها قلوبنا،وأن يغير بها حياتنامن سئ إلى حسن ومن حسن إلى أحسن،وأن يجعلنا من المتعظين والمعتبرين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشديـــــــــن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم إنك حميد مجيد,وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت  على إبراهيم وعلى أل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته و لا كربا إلا نفسته,و لا عسيرا إلا يسرته,و لا عدوا للإسلام إلا دمرته.
اللهم يا سامع كل شكوى,ويا عالماً بكل نجوى! يا سابغ النعم!ويا دافع النقم!ويا كاشف الظُّلم!ويا أعدل من حكم!ويا ولي من ظُلِم! يا من لا تراه العيون،ولا تخالطه الظنون،ولا يصفه الواصفون.يا رب البيت العتيق!اللهم اكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق،واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق.
إخواننا في هذه الأماكن المنكوبة,اللهم ارحم موتاهم،واشف مرضاهم،وأعنهم على ما حل بهم,يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين.
اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير،واعف عنا الكثير،وتقبل منا اليسير،إنك نعم المولى ونعم النصير.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك،وتحول عافيتك،وفُجاءة نقمتك،وجميع سخطك........
تأليف الشيخ:عبدالقادر لعباد

تصنيف :

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
  • تابعنا