هذه هي النار
الحمد لله الأول والآخر،والباطن والظاهر،القوي القاهر,ذي البطش الشديد،المبديء والمعيد،الفعال
لمايريد،المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار والوعيد،المكرم لمن خافه واتقاه بدار
لهم فيها من كل خير مزيد،فسبحانه من قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين:{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ},وأشهد ألآ إله إلا الله وحده لاشريك له ذو العرش
المجيد،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد العبيد،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
إلى يوم الدين,أمابعدُ:
عباد الله:لما نقص إيماننا بمعادِنا،وضعف يقيننا بلقاء ربنا،وغلب رجاؤنا
على خوفنا،آثرنا الدنيا على الأخرى،ونسينا الطامة الكبرى,يوم يُبعثر ما في
القبور،ويُحصَّل ما في الصدور,ويعلم الكافر أن مصيره إلى الهلاك والثبور .
أيها المسلمون:كم هي الآيات التي جاءتنا بالتهديد،وكم هي
الأحاديث التي حذرتنا من يوم الوعيد،وكم خوفنا الشرع من نار قعرها بعيد وحرها
شديد،ومقامعها من حديد:{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب
أو ألقى السمع وهو شهيد},ما بالنا نسمع ولا نعي،وما بالنا نُذكر ولا
نرعوي،أتُرانا في مأمن من العذاب,أم لا يهمنا هذا التهديد والخطاب,عجباً لمن يسمع
الوعيد الشديد وهو مقيم على معصيه الله،لا يرجُف فؤاده،ولا ترتعش فرائصه خوفاً من الجبار
القدير,والقوي الكبير.
إخواتاه:إن نفوسنا بحاجة إلى أن نسقيها بالنذر والمواعظ،وأن نذكرها ونخوف من عذاب الله
الواحد،وقد حذر الله سبحانه وتعالى عباده أشد التحذير،وأنذرهم غاية الإنذار من عذاب
النار,ومن دار الخزي والبوار،فقال جل جلاله وتقدست أسماؤه:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يصلاها إلا الأشقى الذي
كذب وتولى}.
وكذا
خوّف من النار نبينا المصطفى,صلى عليه ربنا وسلمَ,وأنذر وحذر،وكان شديد الإنذار,وشديد
التحذير من النار،وقف مرة على منبره فجعل ينادي ويقول:{أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ،أَنْذَرْتُكُمْ
النَّارَ،أَنْذَرْتُكُمْ النَّارَ},حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ
بِالسُّوقِ،لَسَمِعَهُ,ووَقَعَتْ خَمِيصَةٌ كَانَتْ عَلَى
عَاتِقِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ من شدة تأثرة وانفعاله صلوات ربي وتسليماته عليه.
عباد الله:إن يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض
والسماوات,ويبرز العباد لله الواحد القهار,فينظر الناس حولهم في فزع وذهول,هل هذه هي
الأرض التي عشنا عليها؟الشمس كورت,والنجوم انكدرت,والجبال سيرت,والبحارسجرت,وإذا
الأرض غير الأرض التي كنا نعرفها,وإذا السماء غير السماء التي كنا نراها.
أيها الناس:النار موعد المجرمين
المكذبين،والمعاندين المستهزئين,قال رب العالمين:{وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ،لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ,لِّكُلِّ بَابٍ
مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}.
فالنار دارُ حرها شديد,وقعرها بعيد،ليس فيها مكَيِّفات ولا مبرِدَات,أُوقِدَ عَلَيها أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ,ثُمَّ
أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ,ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا
أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ.
إنها جهنم والجحيم،ولظى والسعير,والحُطَمَة والهاوية,إنها سقر وماأدراك ما سقر
لاتبقي ولاتذر.
إنها دار البوار و بئس القرار,إنها دار
الفاسقينَ وبئس المصير.
يوم القيامة سيشاهده الجميع,ويُؤتى بجهنم على مرأى ومسمع
من الخلائق أجمعين.
ففي صحيح
مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه,قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا
سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ،مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا}.
وإذا
رأت جهنمُ الخلائق زَفِرت وزمجرت,غضباً لغضب للجبار القهار جل جلاله،قال تعالى:{إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا
وَزَفِيرًا},وتظل جهنم تنادي؟!هل من مزيد من المشركين؟هل من مزيد من المنافقين؟هل
من مزيد من الملحدين والمجرمين؟وتظل تنادي وتقول:هل من مزيد؟:{يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ
مَزِيدٍ}.
إذا كُبكب فيها أعداء الله على وجوههم,أغلقت أبوابها
وأوصدت,فلا سبيل للخروج والهروب,قال علام الغيوب:{إنَّهَا
عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ،فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ},وقال الله تعالى:{هذان خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ
كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ
الْحَمِيمُ،يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ،وَلَهُم مَّقَامِعُ
مِنْ حَدِيدٍ،كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا
فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
يحاولون الخروج فتتصدى لهم,{مَلَائِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ}.
كيف سيكون حالي وحالك إذا اشتد الفرق،وسال العرَق؟!كيف
سيكون حال وحالك:{إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً،وَجَآء رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً،وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}.
فإذا نظرت جهنم في أهل المعاصي ثارت،وفارت،وتفلَّتَت من
الملائكة الذين يسحبونها,وتنادي وتقول بلسان الحال وهي غاضبة لغضب ربها:لأنتقمنَّ
اليوم ممن خلقته وعبد سواك,لأنتقمنَّ اليوم ممن أكل رزقك وعصاك,لأنتقمنَّ اليوم
ممن أسبغت عليه نعمك ونساك.
فتزفِر زفرة تجثو الأمم على ركبها:{وترى كل أمة جاثية},ثم تزفِر زفرة فيفر الناس إلى
آدمَ،ونوحٍ،وإبراهيمَ،وموسى،وعيسى،كلهم يقول:نفسي
نفسي,إذهبوا إلى غيري.
ثم يأذن الواحد القهار والعزيزالجبَّار بفصل القضاء,بعد شفاعة المصطفى
المختار صلى عليه وسلم العزيز الغفار,فينادي الجبار جل جلاله:يا ملائكتي خذوه،ومن عذابي أذيقوه،فلقد اشتدَّ غضبي على
من قلَّ حياؤه معي،ثم يقول الواحد القهار:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ
صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ
ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ,إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا
طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ},فالغسلين؟عصارة أهل النار من القيح والصديد.
وعندها تعظم الخطوب,وتظهر القبائح والعيوب,ويندم أهل
المعاصي والذنوب,في يوم لاينفع الندم.
ولسان حال العصاة يومها يقول:ما اعتذاري؟وما أقول لربي في سؤالي؟وما يكون
مقالي؟فينادي الجبار جل جلاله:{يَا آدَمُ فَيَقُولُ:لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ
وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ,قال:أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ,قَالَ:وَمَا بَعْثُ النَّارِ,قَالَ:مِنْ
كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ},قَالَ المصطفى العدنان صلى وسلم عليه الرحيم الرحمن:{فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ,وَتَضَعُ
كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ
عَذَابَ اللهِ شَدِيد},اللهم سلم يارب سلم.
فجهنم حرها شديد,وقعرها بعيد ومقامعها من حديد,يهوي الحجر فيها سبعين عاماً لايبلغ قعرها,فيها أنهار من قيح وصديد,وشرابٌ من حميم,إنها دار الخزي والبوار,والندامة
والعار,لها أبواب و دركات،قال رب البريات:{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ
لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ},وقال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ
ولن تجد لهم نصيرا}.
قد خلقها الملك الجبار لعصاة الإنس والجان وبهما
تسعر,قال الله جلت قدرته:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
وأهون الناس عذاباً يوم القيامةِ رجل يوضع في أخَمَصِ قدميه جمرتان من نار،فيغلي منهما دماغُه في حال يخلع
القلوب.
ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير،أن البشير
النذير صلى عليه وسلم الملك القدير,قال:{إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ,لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ،يَغْلِي
مِنْهُمَا دِمَاغُهُ}.
وإن
غمسةً في نار جهنم,تنسي العبد كل لذة ونعيم عاشها في دنيا الناس.
أخرج
مسلم في صحيحه بسنده عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا
مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً،ثُمَّ
يُقَالُ:يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟فَيَقُولُ:لَا،وَاللهِ
يَا رَبِّ},أنساه شقاء الجحيم كلَّ نعيم.
واعلموا
ياعباد الله:أن طعامَ
أهل النارمن النار,وشرابَ أهل النار من النار,ولباسَ أهل النار من النار,قال
الواحد القهار:{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}.
رَوى الترمذي في سننه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَلا هَذِهِ الآيَةَ:{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ
وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ},ثم قال:{لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قـُطِرَتْ فِي
بِحَارِ الدُّنْيَا, لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ،فَكَيْفَ بِمَنْ
يَكُونُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ}.
أما
شرابهم فاستمع إلى ما يقول ربنا
وخالقنا:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ
يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا},قال تعالى:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ
كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيد,مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ
وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ
وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}.
أما
لباسهم فمن القَطِران,قال الواحد الديان:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ
وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ،لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
يا
ابن آدم:إبك على ذنوبك
وتقصيرك في حقك ربك,إبك اليوم على تفيرطك في طاعة مولاك،يا من قسا قلبه!متى ستبكي إن
لم تبك اليوم؟!لقد قست القلوب،وجمدت العيون!إن لم تجد قلبك الآن في هذه اللحظات،فاعلم
أنه لا قلب لك؛وكبر على نفسك أربع تكبيرات,وإن كنت تدرج على الأرض,لأنك ميت
الأحياء.
أَبَتْ نفسـي تتوبُ فمـا احتيـالي * إذا بـرز
العبـاد لـذي الجـلالِ
وقامـوا مـن قـبـورهـمُ سـكارى * بــأوزار كأمـثـال
الجــبالِ
وقد نُصـبَ الصـراط لكي يجـوزوا * فمنهـم من يُكـبُّ
على الشمـالِ
ومنهـم مـن يسـير لـدار عـدن * تـلَّقـاه العرائـس
بالـغـوالـي
إذا مد الصراط على جحيم.... تصول على العصاة و
تستطيل
فقوم في الجحيم لهم ثبـور.... و قوم في الجنان
لهم مقيـل
يقـول له الـمهميـن:يـا ولـيّي * غفـرت لـك الذنـوبَ
فلا تبـالي
و بان الحق و انكشف الغطاء.... و طال الويل و
اتصل العويل
لأنهم ضيعوا الصلوات,واتبعوا الشهوات,وارتكبوا المحرمات,وتكبروا على أوامر ربّ الأرض
والسماوات,{فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
لقد
باعوا جنةً عرضها السماوات والأرض,بثمن بخس دراهم معدودة؛بشهوات تمتعوا بها في الدنيا
الدنيئة,ثم ذَهَبَتْ وذهبوا,فكأنها وكأنهم ما كانت وما كانوا،ثم لقوا عذابا عظيما,وهوانا
مقيما،فعياذا بالله من نار هذه حالها،وعياذا بالله من أعمال هذه عاقبتها.
اللهم
إنه لا طاقة لنا بعقابك،ولا صبر لنا على نارك،اللهم أجرنا وأعتقنا من عذابك:{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ
غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم,ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم,أقول ماتسمعون,وأستغفر الله لي ولكم,إنه هو الغفور الرحيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم,ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم,أقول ماتسمعون,وأستغفر الله لي ولكم,إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله مُنشِئُ الأُمم ومُبيدُها،وباعِثُ الرَّمِيم
ومُعيدُها،وجامعُ الناسِ ليومٍ لا ريبَ فيه،أحمده سبحانه شاكرًا طائعًا،وأستعينُه وأستغفِرُه
عابدًا خاضِعًا،وأشهد أن لآ إله إلا الله وحده لا شريك له مُوحِّدًا مُخلِصًا،وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله بعثَه ربُّه بدينِ الحقِّ داعيًا وهاديًا،صلَّى
الله وسلَم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا كثيرًا دائمًا مُتوالِيًا,أما
بعدُ:
واعجباً والله,لمن يقرع سمعه ذكرُ السعير،وهو من عذاب
الله غير مستجير,أفيك جَلَد على الجحيم والزمهرير والصديد.
وهاهم أهل النار ينادُون:يا مالك لقد نضجت منا الجلود,يا
مالك لقد تقطّعت منا الكُبُود,يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود,يا مالك الموت خير من هذا
الوجود.
قال الله مخبراً عنهم:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ},أي لِيَقْبِضْ أَرْوَاحَنَا فَيُرِيحَنَا مِمَّا
نَحْنُ فِيهِ,فيأتِيهم الجواب
بعد أعوام:{قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ},أي لَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا,وَلَا مَحِيدَ لَكُمْ
عَنْهَا,قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:مَكَثَ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ
قَالَ:{إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}.
ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ شِقْوَتِهِمْ,فقال:{لَقَدْ
جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ},أي بيَّناهُ لكم ووضحناه،وفسرناه:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ},أَيْ وَلَكِنْ كَانَتْ سَجَايَاكُمْ لَا تَقْبَلُهُ
وَلَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ،فَعُودُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْمَلَامَةِ,وَانْدَمُوا
حيث لا تنفعكم الندامة,فلا خروج ولا هروب,ولافناء ولاموت.
جاء في صحيح البخاري عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ،فَيُنَادِي مُنَادٍ:يَا أَهْلَ
الجَنَّةِ،فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ،فَيَقُولُ:هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟فَيَقُولُونَ:نَعَمْ،هَذَا المَوْتُ،وَكُلُّهُمْ
قَدْ رَآهُ،ثُمَّ يُنَادِي:يَا أَهْلَ النَّارِ،فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ،فَيَقُولُ:وهَلْ
تَعْرِفُونَ هَذَا؟فَيَقُولُونَ:نَعَمْ،هَذَا المَوْتُ،وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ،فَيُذْبَحُ
ثُمَّ يَقُولُ:يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ
مَوْتَ،وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ،ثُمَّ قَرَأَ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ
إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ},وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ
أَهْلُ الدُّنْيَا:{وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
سأل الحجاج سعيدَ بنَ جبير:بلغني أنك لم تضحك قط,قال:كيف أضحك وجهنم قد سُعرّت،والأغلال
قد نُصبت،والزبانية قد أعدت!.
وقيل لمحمد بنِ واسع:لما لا تتكأ في المجالس؟!قال إنما
يتكأ الآمن,وأنا لا زلت خائفاً.
معاشر
المؤمين:إننا ما نزال في
فسحة من العمر,وطيب من العيش والصحة والعافية،أما آن لنا أن نتوب ونؤوب:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ
اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ},حتى متى ونحن نُصِرُّ على معصية الله ومحاربة
دينه؟!هل نبقى على هذه الحال حتى يفجَأنا هادم اللذات,فنقول:{رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.
إننا
ما نَزَال في دار المهلة ووقت العمل،فمن عمل واستقام,وابتعد عن المعاصي والآثام,وجانب
الذنوب والعصيان,فقد رجحت كِفَّتُه وهو خير له،فليحمد الله،ومن كان على غيرهذا فلا
يلومن إلا نفسه،وسوف يندم يوم لاينفع الندم,ويعض على الأصابع ويبكي الدم بدل
الدمع:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا
خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}.
ألا كلّ ما هو آتٍ قريبُ&وللأرض من كل حي نصيبُ
و للناس حبٌّ لطول البقاءِ&فيها وللموت فيهم
دبيبُ
و للدهر شدٌ على أهلهِ& فبينٌ مُشِتٌ ونَبْلٌ
مصيبُ
وكم من أناس رأيناهمُ&تفانوا فلم يبق منهم
غريبُ
و صاروا إلى حفرةٍ تَحْتَوي&ويُسلم فيها الحبيبَ
الحبيبُ
أرى المرء تعجبه نفسه&فَأَعْجَبُ والأمرعندي
عجيبُ
وما هو إلا على نفسه&فيوما يَشِبُّ ويوما يشيب
فلا يَعْجَبُ المرء من نفسه&إذا ما نعاها
إليه المشيبُ
إذا عِبْتَ أمرا فلا تأته &وذو اللب يُجْنِبُ
ما يَسُتَعِيبُ
ودع ما يريبك لا تأته &وجزه إلى كل ما لا
يريب
أغرك منها نهار يضيءُ& وليل يَجُنُّ وشمس
تغيب
فلا تحسب الدار دار الغرور&ألم تَدْرِ أنك
فيها غريب
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى ذِكراً،وأفضلِ البشرية
طهراً،وأعظمِ الخلق شرفاً ونسباً،أكثروا من الصلاة والسلام عليه,فإنَّ الله قد أمركم
بأمر بدأ فيه بنفسه,وثنى بملائكته المُسبحةِ بقدسه,فقال جل من قائل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم
صل على
محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد,وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف
الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب أجمعين.
اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك,اللهم حرم أجسادنا عن نارك,اللهم
إنه لا طاقة لنا بعقابك،ولا صبر لنا على عذابك،فرحمنا يآ أرحم الراحمين.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما
أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ
لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
اللهم انصر الاسلام والمسلمين,واخذل من خذل المسلمين
يارب العالمين.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته
ولا هما إلا فرجته و لا كربا إلا نفسته,و لا عسيرا إلا يسرته,و لا عدوا للإسلام إلا
دمرته.
اللهم حَبَّبَ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ
فِي قُلُوبِنا وَكَرَّهَ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وجعلنا من
الرَّاشِدُينَ.
اللهم فرج هم المهمومين واقضي الدين عن المدينين
وفك أسرى المأسورين واشف مرضانا ومرضى المسلمين .......
تصنيف :
دروس مكتوبة
0 التعليقات:
إرسال تعليق