مات رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمدلله اللطيفِ المنان،الغني القويِ السلطان،الحليمِ الرحيمِ الرحمان،الأولِ فلا شئ قبله والأخرِ فلا شئ بعده، والظاهرِ فلا شئ فوقه، والباطنِ فلا شئ دونه، يعلمُ ماكانَ وما لم يكنْ لو كانَ كيف كان يكون، أرسي الأرضَ بالجبالِ في نواحيها وأرسلَ السحابَ الثقالَ بماءٍ يحييها ثمَّ قضي بالفناءِ علي جميعِ ساكنيها، ليجزيَ الذين أساؤا بما عملوا ويجزيَ الذين أحسنوا بالحسني، أحمدُهُ عزّ وجلّ وأشكرُه ومن مساويِ عملي أستغفرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له،جلّ عنِ الأشباهِ والأمثال وتقدَسَ عنِ الشركاءِ والأنداد والأضداد، ا مانع لما أعطي ولا معطي لما منع,ولا ينفع ذا الجد منه الجد، وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا وإمامَنا وقدوتَنا محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم,صاحب المقام المحمود،و اللواء المعقود،و الحوض المورود,خاتم النبيئين,وسيد المرسلين،وقائد الغر المحجلين,فعِترتُه خيرُ عِترة،وسيِرته خيرُ سيرة، وشجَرتهُ خيرُ شجرة,نبتت في حرمٍ وبسقت في كرمِ، أرسله الله بشيرا ونذيرا وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا، ففتّح الله به أعيناً عميا وأذاناً صما وقلوباً غلفا، فصلواتُ الله عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلي يومِ الدين,أمابعد:
اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ونبرأ من الأمل إلا فيك، ونبرأ من التسليم إلا لك،ونبرأ من التفويض إلا إليك،ونبرأ من التوكل إلا عليك،ونبرأ من الذل إلا في طاعتك.
عبادالله:إن الله جعل الدنيا دار فناء وزوال وجعل الأخرة دار خلود وبقاء وجعل الموت دليلا على قوته وعظمته وجبروته وتلك هي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير مهما ادعى أحد لنفسه من مقومات المحابا,قال جل في علاه وتقدس في علياء سماه:{كل نفس ذائقة الموت}.و بعد موت الخلائق,ينفرد الله جل وتعالى بالديمومة والبقاء,فيكون آخرا كما كان أولا.
فالحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة،وأنهى بالموت آمال القياصرة،فنقلهم بعظمة الموت من القصور إلى القبور،ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم في الطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب,لا إله إلا الله، صاحب الملك والملكوت،وصاحب العزة والجبروت، الذي كتب الفناء على جميع خلقه وهو الحي الباقي الذي لا يموت:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ},لا إله إلا الله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ},لا إله إلا الله كتب الفناء على كل مخلوق واستأثر بالبقاء.
كل ابن انثى وإن طالت سلامته&يوما على لوحة حدباء محمــــول
يا ابن التراب و مأكول التراب غدا&أقصر فإنك مأكول ومشـــروب
وهاهو الله يخاطب نبيه المصطفى قائلا:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون},الكل سيموت إلاّ ذو العزة والجبروت.
أيها المسلمون:ولما تكاملت الدعوة وسيطر الإسلام على الموقف,أنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على نبيه وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً},فتلاها صلى الله عليه وسلم على الناس،وعلم الناس أن فحوى الخطاب ولسانَ الحال يقول:إنك ميت فتأهب،وإنك مرتحل فتجهز،وإنك منتقل فودع أصحابك وأحبابك,قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما عند ابن ماجة في سننه:{فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاهُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا}،وإذا دموع الحزن تنهمر.
إذا تشابكت دموع في خدود &تبين من بكى ممن تباكى
وأُنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع الأخير,وأنه نعيت إليه نفسه.
وفي أوائل صفر سنة 11 من الهجرة النبوية المباركة,خرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فصلي على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، ثم انصرف إلى المنبر,فقال:{إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا},رواه البخاري.
وخرج ليلةـ في منتصفها-إلى البَقِيع، فاستغفر لهم، وقــال:{السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ، مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ،لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ،أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ،يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا، الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى},رواه أحمد.
وبعدها بأيام شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جِنازة في البقيع، فلما رجع، وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه، واتقدت الحرارة، حتى إنهم كانوا يجدون سَوْرَتَها فوق العِصَابة التي تعصّب بها.
وقد صلي النبي صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريضٌ 11 يوماً،وثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض، فجعل يسأل أزواجه:{أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟}.ففهمن مراده، فأذِنَّ له يكون حيث شاء، فانتقل إلى بيت عائشة يمشي بين الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب،عاصباً رأسه،تخط قدماه حتى دخل بيتها، فقضي عندها آخر أسبوع من حياته.
ثم أخذتْ حرارة العلةِ تتقدت في بدنه، فاشتد به الوجع وأغمي عليه، فقال:{أهريقوا علي سبع قِرَب من آبار شتي، حتى أخرج إلى الناس}،فأقعدوه في مِخْضَبٍ،وصبوا عليه الماء حتى طفق يقول:{حسبكم،حسبكم}.
وعند ذلك أحس بخفة،فدخل المسجد قد عصب رأسه بعصابة حَمْرَاءَ حتى جلس على المنبر،وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله وأثني عليه، فعرض نفسه للقِصاص,فقال:{أَيُّهَا النَّاسُ,مَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عَرْضًا فَلْيَسْتَقِدْ مِنْهُ},ثم نزل فصلى الظهر.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عن أنس بن مالك قال:{ بَيْنَمَا المُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ},يا لَقلبي ويا لَشعري ما لهذا التبسم، ومالهذا التعجب! تبسم صلى الله عليه وسلم لأنه رأى الصفوف منتظمة، ورأى الدعوة حية، ورأى الرسالة منتصرة، ورأى لا إله إلا الله مرتفعة،ورأى دعوة التوحيد قدانتشرة في أصقاع الجزيرة،فَحُقَ له صلى الله عليه وسلم أن يتبسم.
قال أنس رضي الله عنه:{وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ},ولا يدري أحد أن اللحظات الأخيرة من عمر الحبيب صلى الله عليه وسلم بدأت تتلاشى وتنتهي،ثم طفق الوجع يشتد به ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أكله بخيبر حتى كان يقول فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:{يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ}.رواه البخاري.
ولما رأت فاطمة ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه,قالت:وا كرب أباه,فقال لها:{ليس على أبيك كرب بعد اليوم}.
وفي يوم الإثنين ينزل ملك الموت إلى بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم،إنتهى الأجل يا رسول الله!إنتهى الأجل يا حبيب الله، ملك الموت الآن في بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، ورسول الله في حجر عائشة بين سحرها ونحرها,واقترب الأجل,وانتهت اللحظات الأخيرة من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم,فها هو صلى الله عليه وسلم يدخل يَدَيهِ في رَكْوَةٍ فيها ماء,ويمسح العرق عن جبينه الأزهر الأنور,ويقول:{لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ،إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ,لآاله إلاالله,إن للموت لغمرات}.
وهاهو ملك الموت يقبل ليعالج أطهر روح على ظهر الأرض،لتقبض أشرف روح عرفتها البشرية،لينادى على روح المصطفى:يا أيتها الروح الطيبة الزكية!أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان،وربٍ راضٍ عنك غير غضبان:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
وما عدا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن فرغ حتى رفع أصبعه،وتحركت شفتاه،ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ,ورَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ,فأصغت إليه عائشة وهو يقول:{اللهم أَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى،اللهم أَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى},حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.
لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام على فراش الموت,بل وذاق سكرات الموت,حتى قالت عائشة رضي الله عنها:{مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي,أو بين سحري ونحري,فما أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم}.(خ.م).
ولكن نقول الآن وبعد الآن ويوم نلقى الرحمن,إنا لله وإنا إليه راجعون:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
قبض سيد البشرية،ومعلم الإنسانية،وهادي البرية،توفاه الله إليه ليكرمه جزاء ما قدم للأمة الإسلامية.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم,وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الأولِ والآخر،والباطنِ والظاهر،القويِ القاهر، الرحيم الغافر،أحمده سبحانه على نعيمه الوافر،وأشكره على فضله المتكاثر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم مكنونات الصدور،ومخفيات الضمائر،خلق الخلق وكلهم إليه صائر،وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المطهّر الطاهر، كريم الأصل زكي المآثر،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر،والتابعين ومن تبعهم من أولي البصائر،ومن كان على درب الحق سائر,أمابعد:
أيها المسلمون:يقول عز من قائل:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَآ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
هوالموت فاحذرأن يجيئك بغتة&وأنت على سوء من الفعل عاكفُ
وبادربأعمال يسرك وزنهـا & إذانـشّرت يوم الكتاب الصحائـفُ
تسرب نبأ موت النبي صلى الله عليه وسلم الفادح، وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها.
روى الترمذي وابن ماجة في سننهما والإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ:{لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ,أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ,فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ,وَلَمَّا نَفَضْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيْدِي وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا}.
ووقف عمر بن الخطاب يقول:{إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي،وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات،لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسي بن عمران،فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل:قد مات,وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ يزعمون أنه مات}.
فأَقْبَلَ أَبَو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ،حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ،فَلَمْ يُكَلِّمُ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ،فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ،فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ:{أَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،وَاللَّهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا}.
ثم خرج أبو بكر،وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ:{اجْلِسْ يَا عُمَرُ}،فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ،فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ،وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:{أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ،وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ},قَالَ اللَّهُ جل وتعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ},إِلَى قَوْلِهِ:{الشَّاكِرِينَ},َقَالَ ابن عباس:{وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ،فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا},رواه البخاري.
وعن سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ،أَنَّ عُمَرَ قَالَ:{وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاَهَا فَعَقِرْتُ،حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاَيَ،وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاَهَا،عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ},رواه البخاري.
قال الله جل وتعالى:{وما جعلنا لبشرمن قبلك الخلد أفامت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشروالخيرفتنة واليناترجعون}.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ:{لَمَّا توفي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَت فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تقول:{ يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهْ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ},فيرد عليها أنس بن مالك بلسان الحال:والله لوشئنا لرفعناه إلى السماء,ولكن الله جل جلاله يقول:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}.
كل حي سيموت&ليـــــس في الدنياثبـــــــوت
حركات سوف تفنــــــى& ثم يتلوهاخفــــــوت
وكلام ليس يحلــــــو & بعده إلى السكــــــوت
أيهاالسادرقل لــــــي & أن ذاك الجبـــــــروت
كنت مطبوعاعلى&الــــنطق فماهذاالصمــوت
ليت شعرى أهمـــود& مـــاأراه أم قنــــــــوت
أين أملاك لهـــم & فــي كل أفق ملكــــــــــوت
زالت التيجان عنهــــم&وخلت تلك التخــــوت
وعمرت منهم قبــــور&وخلت منهم بيــــــوت
إنما الدنيا خيـــــال & باطل سوف يفــــــــــوت
ليس للأنسان فيهــــا&غيرتقوى الله قــــــــوت
هذا ولنجعل مسك الختام كثرةَ الصلاة والسلام على بدر التمام,وشفيع الأنام,سيدِنا محمدٍ الرسول المصطفى,والنبي المجتبى,اللهم صل وسلم عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات,وعلى آله الأطهار,وصحابته الأبرار,وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي وعن سائر الصحب اجمعين.
اللهم انصر الاسلام والمسلمين,واعل كلمة الحق والدين.
اللهم اغفرنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
اللهم لا تدع لنا في مقامناهذا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا كربا إلا نفسته,ولاعسيرا إلا يسرته,ولا عدوا للإسلام إلادمرته.
اللهم نعوذبك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
اللهم حَبَّبَ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا وَكَرَّهَ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وجعلنا من الرَّاشِدُينَ.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمري، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشي وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
تصنيف :
دروس مكتوبة
0 التعليقات:
إرسال تعليق