الاستعداد لرمضان

الاستعداد لرمضان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,المتعال عن الأندادوالأضداد,لا رادلقضائه,ولامعقب لحكمه,ولاغالب لأمره،وأشهدأن سيدنا وحببنا وعظيمنا محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى،ورسوله المرتضى,صلى عليه ربنادئماأبدا.
أرسله الله بالدعوة الإسلامية,فهدى به البشرية,وزلزل به كيان الصنمية,وأضاء به سبيل الإنسانية,فشرح به الصدور,وأناربه العقول,وفتح به القلوب,فاللهم اجزه عنا أفضل ما جازيت نبيا عن أمته,ورسولا عن دعوته.
عبادالله:إننا مقبلون على شهر ٍ عظيم يتزيّن الكون لاستقباله وتنبض القلوب فرحاً وشوقاً للقائه,حتى من أولئك المفرطين نرى ذلك الفرح يغمرهم وينطق سروراً على محيّاهم،شهر هيأ الله الكون كله لاستقباله,فتزيّنت الجنة لأهلها وفتّحت أبوابها شوقاً لهم وفرحاً بأعمالهم,والنار قد غلّقت أبوابه,والشياطين قد صفّدت لكي تكف ّعن الوسوسة والصد عن سبيل الله,والقعود لأهل الطاعة في طريقهم ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:{قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ}.
يوشك أن يدخل علينا هذاالضيف العزيزالذي يزونا كل عام  مرة,شهرتتطلع إليه قلوب المؤمنين,وتتشوف إليه  أفئدة المتقين,نهاره مصون بالصيام,وليله معمور بالقيام,تهبُّ فيه رياح الأنس بالله,وتجود الأنفس بماعندهانحو الله,إنه منحة ربانية لهذه الأمة الميمونة المرحومة,إنه شهر عظمه الله وكرّمه,وأعظم الثواب لصوّامه وقوّامه,منحهم من الأجور ماليس لغيره من الشهور.
إن بلوغ شهر رمضان المبارك الأبرك الأكرم, لنعمة عظيمة,ومنة جليلة,فقد كان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يستعدون في رمضان لصيامه,ويتهيؤون لغتنام الفرص بقيامه,وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم,يستقبلون شهررمضان بالدعاء والقرآن والعبادة,كمانقل عن ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى قال:{كان السلف رحمهم الله يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان,ثم يدعون الله ستة أشهرأن يتقبل منهم}.
إن شهررمضان مدرسة ربانية تتربى فيهاالأمة الإسلامية,وتتجسد فيه ملامح  التلاحم بين المسلمين عامتهم وخاصتهم,كبيرهم وصغيرهم,ليكون الجميع يدا واحدة,وبناء متكاملا,ليدفع تيارالفتن,وأمواج المحن.
معاشر المسلمين:كيف نستقبل هذاالضيف الكريم؟وكيف نغتنم هذاالشهر العظيم؟.
إن الذي يريد أن يزرع أرضا لابد أن يجهزهاويعدها للزراعة أولا,كمايقول العلماء العاملون:{التخلية قبل التحلية},هكذاينبغي للمسلم أن يهيئ نفسه لاستقبال هذه النفحات والرحمات والبركات.
واعلمواياعبادالله:أن أول شئ نستقبل به هذا الشهر الكريم المبارك,هو التوبة النصوح التي نغسل بها الذنوب ونطهر بها القلوب,قال علام الغيوب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
والله ما صدق صادق فرد عن الأبواب، ولا أتى الباب مخلص فصد عن الباب، فورب الأرباب، إنما الشأن في صدق التوبة، لذلك قال الله تعالى:{يأيهاالذين ءامنوااتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
ياعــبدالله,قـــل:
ما أحلم الله عني حيث أمهلني&وقد تماديت في ذنبي ويسترني
تمر ساعات أيامي بلا نــدم &ولا بكاء ولا خوف ولا حــــــــزن
أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً &على المعاصي وعين الله تنظرني
يا زلة كتبت في غفلة ذهبت &يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
دعني أنوح على نفسي وأندبها &وأقطع الدهر بالتذكير والحزن
إعلم أن الذي حال بين الناس وبين التوبة والصدق فيها هو طول الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل، قال الله تعالى:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ,فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. وقال تعالى:{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ}.
إعلم رحمك الله أن مما يعينك على التوبة والمبادرة إليها هو ذكر الموت.
إن الموت قريب، والعمر مهما طال فهو قصير، والدنيا مهما عظمت فهي حقيرة، فاختر لنفسك النهاية التي تتمناها.
لآ إله إلا الله كيف سيكون حالي وحالك عندما يقال:فلان بن فلان لقد دنا منه الأجل، وحانت منه ساعة الرحيل,وضاع الأمل، فصائح بأعلى صوته:رباه ارجعون، رباه ارجعون، وصائح بأعلى صوته:واطرباه واطرباه,غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه! فاختر الحال التي تريدها يا رعاك الله.
ولما دخل المازني على الشافعي رحمه الله في مرضه الذي مات فيه قال له :كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟! قال:أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً،ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً،وعلى ربي سبحانه وتعالى وارداً،ولا أدري,أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها،أو إلى النار فأعزيها؟ ثم أنشد:
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي &جعلت الرجا مني لعفوك سلماً
تعاظمني ذنبي فـلما قرنته &بعـفـوك ربي كان عـفـوك أعظـما
فما زلت ذا عفـو عن الذنب لم تزل&ودوداً وتعفـو منةً وتكرما
أقول قول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الأول والآخر،الباطن والظاهر ، القوي القاهر،الرحيم الغافر،أحمده سبحانه على نعيمه الوافر،وأشكره على فضله المتكاثر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,يعلم مكنونات الصدور،ومخفيات الضمائر،خلق الخلق وكلهم إليه صائر،وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المطهَّر الطاهر،كريم الأصل زكيُ المآثر،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والمفاخر، والتابعين ومن تبعهم من أولي البصائر،ومن كان على درب الحق سائر. أما بعد:
فاعلم يا رعاك الله!أن الآمال تطوى،والأموال تفنى،والأيام تمضي مسرعة، وتقرب كل بعيد،وتأتي بكل موعود ووعيد،فانتبه يا بن آدم من رقدة الهجوع، وارجع إلى الله بالتضرع والخشوع، وقل:آن الأوان للانضمام إلى قوافل العائدين.
قالوا:من رزق أربعاً لم يحرم أربعاً:من رزق الدعاء لم يحرم الإجابة،فالله يقول:{وقال ربكم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ},ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة،قال تعالى:{إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}،ومن رزق الشكر لم يحرم المزيد،قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}،ومن رزق التوبة لم يحرم القبول،قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}.
يا أيها الإنسان!ما غرك بربك الكريم؟إلى كم تعصيه وتتمردعليه؟.
يا ناصع الثوب والقلب أسود؛ما هذا الأمل وأنت لست بمخلد،إنتبه فإن الموت قادم؟.
أيا مَن يدّعي الفَهْمْ ... إلى كمْ يا أخا الوَهْمْ
تُعبّي الذّنْبَ والذمّ ... وتُخْطي الخَطأ الجَمّ
أمَا بانَ لكَ العيْبْ ... أمَا أنْذرَكَ الشّيبْ
وما في نُصحِهِ ريْبْ ... ولا سمْعُكَ قدْ صمّ
أمَا نادَى بكَ الموتْ ... أمَا أسْمَعَك الصّوْتْ
أما تخشَى من الفَوْتْ ... فتَحْتاطَ وتهتمْ
فكمْ تسدَرُ في السهْوْ ... وتختالُ من الزهْوْ
وتنْصَبُّ الى اللهوْ ... كأنّ الموتَ ما عَمّ
أكتب قصة الرجوع بقلم الندم والدموع،واسر بها على قدم الخضوع إلى باب الخشوع،وأتبعها بالعطش والجوع، وسل الرحمة فرُبَّ سؤال مسموع.            
قم وناد في الأسحار والناس نيام:يا رجاء الخائفين!يا أمل المذنبين!إن طردتني فإلى من أذهب؟يا رحيماً بمن عصاك، يا حليماً على من تناساك،يا من شيمته الصبر:عصيتك جاهلاً يا ذا المعالي ففرج ما ترى من سوء حالي,إلى من يهرب المخلوق إلاّ إلى مولاه,يا مَولَى المَوَالِي.
فلله در أقوام تركوا فأصابوا،وسمعوا منادي الله يدعو فأجابوا،وحضروا مشاهد التقى فما غابوا،واعتذروا عن تحقيق ثم تابوا،ثم قصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا.
إن شهر رمضان يستقبل بالتوبة والندم,والصيام والقيام لا بالشراب والطعام,ويُستقبل بالجد العمل لابالكسل والخمول.
فحي هلا وأقبل على موالك بتوبة نصوح لعله عنك يرضى,وقل بلسان صدق:{وعجلت إليك ربي لترضى}.
هذا ولنجعل مسك الختام كثرةَ الصلاة والسلام على بدر التمام,وشفيع الأنام,سيدِنا محمدٍ الرسول المصطفى,والنبي المجتبى,اللهم صل وسلم عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات,وعلى آله الأطهار,وصحابته الأبرار,وارض اللهم عن خلفائه الأربعة,ذوي القدر العلي,والشرف الجلي,ساداتِنا أبي بكر وعمر وعثمان علي.
اللهم سر بنا في درب النَّجابة، ووفقنا للتوبة والإنابة، وافتح لأدعيتنا الإجابة، يا من إذا سأله المضطر أجابه.
اللهم اقبل توبة التائبين، واغفر ذنب المذنبين، واقبل الشباب والشيب في قوافل العائدين.
اللهم ألهمنا القيام بحقك، وبارك لنا في الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك، يا خير من دعاه داع، وأفضل من رجاه راج، يا قاضي الحاجات! يارافع الدرجات! يا مجيب الدعوات! يا رب الأرض والسماوات! سألناك فحقق رجاءنا فيما تمنيناه.
تأليف فضيلة الشيخ:عبدالقادرلعباد







تصنيف :

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
  • تابعنا